ثمن المصالحة الفلسطينية.. قراءة في حادث العريش

ليس ثمة شك أن الحادث الإرهابي الأخير في سيناء بتفجير مسجد الروضة في العريش يعد تطورا نوعيا في الجرائم الإرهابية، لأنه بعد سنوات من الموجة الإرهابية الأخيرة عقب الثلاثين من يونيو وصلنا إلى المرحلة الأكثر خطورة ودموية منذ حادث الكنسية البطرسية نهاية العام الماضي، والمتمثلة في استهداف تجمعات مدنية حاشدة تُسقط مئات الشهداء.
من نافلة القول إن الهدف من أي عملية إرهابية هو إظهار ضعف النظام الحاكم وكم هو مهلهل وفاقد للسيطرة الأمنية على العديد من النقاط الملتهبة، وهو ما يحدث عبر عمليات إرهابية ضد القوات الأمنية بالأساس أو باستهداف مواطنين أقباط وكنائس، لكن في تلك الجريمة بالتحديد تثار العديد من التساؤلات عن استهداف مواطنين سنة في صلاة جمعة في منطقة نائية في بلد عابر للصراعات المذهبية تاريخيًا، والفرضية المتداولة من ليلة الحادث عن أن المقصود هم جماعة من المتصوفين لا يصمد قليلا أمام حوادث سابقة بقتل رمز أو قطب مختلف مذهبيًا لا عبر قتل مئات الشهداء بهذا الشكل المروع.
ما يثير العديد من التساؤلات أيضا تزامن تلك الجريمة البشعة مع حدث يكاد يكون تاريخيا، هو المصالحة الفلسطينية بين حركتى فتح وحماس، بعد أكثر من عشر سنوات من الانقسام واقتتال «الأخوة الأعداء» مع بعضهم البعض، ودور الدولة المصرية في إنهاء تلك «المهزلة الكفاحية» بعد سنوات من فشل العديد من المحاولات للمصالحة من ضمنها محاولة في الأراضى المقدسة برعاية الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، ما يستدعي قراءة قد تصيب أو تخطئ في تحليل الجريمة البشعة.
ربما كان هدف العملية بالأساس رسالة من تنظيمات جهادية غير راضية عن اتفاق المصالحة الفلسطينية، أو من الممكن أن تكون العملية مشتركة بين تنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابي بالتعاون مع تنظيمات سلفية صغيرة وشرسة من داخل قطاع غزة انتقاما من حركة «حماس» لأنها برأيهم قد تخلت عنهم لصالح النظام المصري، استبعاد ضلوع إسرائيل في العملية سببه أنها تبدو على توافق تام مع النظام المصري ويوجد تنسيق مخابراتي وأمني واضح بين الدولتين، ومع ذلك قد يكون هناك تنسيق استخباراتي بين الموساد وتلك التنظيمات الصغيرة في غزة، فمن المعروف أن للموساد عملاء في القطاع من خصوم «حماس». 
نعتقد أن الهدف من العملية، إعادة إغلاق معبر رفح بوجه الفلسطينيين بشكل دائم، فضلا عن إحراج حركة حماس أمام النظام المصري بعد فتح مكتب للحركة بالقاهرة، وفي الأخير هي محاولة يائسة لإجهاض اتفاق المصالحة برسالة عنف غير مسبوقة بغية رفع يد النظام المصري عن الموضوع الفلسطيني بالكامل.
الرؤية السابقة لا تحتكر الحقيقة، فقد يكون الحادث نتيجة دحر الفلول الإرهابية من سوريا وتسللهم إلى سيناء، واتباعهم نفس التكتيك في استهداف المساجد وقتل الأبرياء، وأيضا هي محاولة للتفكير لا تدين الأخوة الفلسطينيين بل تشد على أياديهم عقب مصالحتهم التاريخية فهم دائما في طليعة الأمة فكرًا ومقاومةً ودافعًا للأثمان الباهظة نيابة عن العرب جميعا.
محاولات التفكير في المستفيد ومن يقف وراء العملية الإرهابية لا يكون عمليا إلا بعد الإشارة إلى التقصير الأمني الفادح في سيناء بالتحديد في «البؤر الرخوة» منها، ما أسفر عن استشهاد 305 من المصلين الأبرياء، ما يوضح أن «حالة السبات» مستمرة وطويلة في الجهاز الأمنى صاحب اليد الطولى في التحكم في مصائر المصريين –وياللعجب- لا يستطيع حمايتهم من القتل بلا جريرة.
رحم الله الشهداء.

التعليقات