بين عامى ٢٠١٧و٢٠١٨

عندما تقرأ هذا المقال سوف تكون بالفعل، وصدق ولا تصدق، فى اليوم الثانى من عام جديد، ومن الجائز أنك سوف تأخذ عدة أيام مثلى حتى تعداد كتابة العام هذا فى تاريخ اليوم، وعلى الأرجح أنك قد أصبحت متعبا من صفحات صحف راحت تذكرك كيف أن السنة التى رحلت كانت بالغة السوء، وأن الأمل كل الأمل سيكون فى العام الذى جاء. كل ذلك معتاد فى هذه المناسبة، اللهم إلا إذا كنت قد احتفلت بعيد رأس السنة كما لو أن ساعة منتصف الليل تمثل ساعة فارقة فى حياتك فعلا بشكل أو بآخر، فى هذه الحالة فربما ما زلت تحاول الإفاقة من صداع قاتل أو دهشة عارمة، لأن العالم لا يزال كما هو على عكس توقعاتك المتفائلة. ومع ذلك فلا بأس من المشاركة فى تقاليد قياس اللحظة التى عبرت بين عامين من خلال التعامل معها على أنها مجرد نقطة على خط مستمر، ربما حتى يتجاوز ما جرى فى زمن رحل وآخر أتى. وعلى سبيل التغيير، فإن التاريخ بين ٢٠١٧ و٢٠١٨ سوف يشهد بأن الدنيا تشرق على ما هو أفضل، سواء كان ذلك على مستوى العالم كله، أو الإقليم الذى نعيش فيه، ومعذرة لو سميناه «الشرق الأوسط» لأن ما فيه من غير العرب بات لهم تأثير لا يمكن تجاهله، أو مصر التى لابد أن نأتى لها فإليها نعود وننظر.

العالم كما هى العادة، وكما هو متوقع، يتغير بسرعة، وإلى الأفضل، ليس دوما لما يحدث فيه، وإنما ما لا يحدث أيضا. فنظرة على خريطة الكرة الأرضية لن نجد فيها صراعا «دوليا» واحدا أى بين دولتين أو أكثر، اللهم إلا الصراع على اليمن وهو فى جوهره يعبر عن حرب أهلية أكثر منها حرب دول، ولكن وجود التحالف العربى والولايات المتحدة يدخلها فى المفهوم المشار إليه. ولكن هذه حالة استثنائية أن تكون الأحوال هادئة فى كافة الصراعات «المزمنة» مثل الصراع «العربى- الإسرائيلى» أو «الهندى- الباكستانى»، أو الصراع الأوكرانى، هناك اتفاق غير مكتوب بين الأطراف المعنية أن تكلفة الحرب عالية، ولذلك يمكن استبدال قعقعة السلاح بالأصوات العالية. هناك «شبه أزمة» دولية خاصة بكوريا الشمالية، وما يجعلها كذلك أن بيونج يانج لم تمتلك فقط أسلحة نووية، ولكن تجاربها الصاروخية تجعلها قادرة على نقلها إلى كافة أنحاء المعمورة، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن ذلك ليس فيه خطر كبير، لأن العالم اتفق على أنه لن يسمح لكيم كونج أون باستخدام هذا السلاح أو حتى تطويره. هذا الاتفاق جاء فى مشهد لم يلق اهتماما فى المنطقة العربية التى كانت تحتفل بهزيمة الولايات المتحدة وعزلتها فى مجلس الأمن والجمعية العامة بخصوص القرار الخاص بالقدس، عندما صوتت ١٥ دولة، أى كامل أعضاء مجلس الأمن بما فيه الأعضاء الخمسة الدائمين بفرض عقوبات بالغة القسوة على كوريا الشمالية. المشهد هذا ليس جديدا فقد حدث من قبل، وخلال عام ٢٠١٨ فإن كوريا الشمالية سوف تكون مستعدة للتفاوض مع الولايات المتحدة بوساطة صينية لكى تتراجع فى مستوى تسليحها بحيث لا تهدد أحدا، مقابل الغذاء ورفع العقوبات.

فى الشرق الأوسط فإن الأخبار الطيبة كثيرة، والحديث بحسرة شديدة عن حالة منطقتنا ربما آن له أن يتوقف أولا، لأن «داعش» و«ودولة الخلافة» انهزمت، ومعها مشروعها الدموى، وإذا كان لأحد أن يشعر بالتشاؤم أو اليأس فهم الداعشيون والقاعديون والإخوان المسلمون، لأن مشروعهم فى تراجع، وهم اللذين عليهم أن يبحثوا عن مسائل جديدة للعيش والتمويل والتموين والتكيف مع أوضاع جديدة. هزيمة الإرهاب فى الرقة والموصل وما بينهما أعطت جرعة من العنفوان للعراق أفشل المشروع الكردى بالانفصال وبقى ترتيب الأوضاع بين بغداد وأربيل، ووضع سوريا على أول طريق التسوية بوقف الحرب الأهلية، وأكثر من ذلك فإن الدول الثلاث الفاعلة فى الأزمة السورية وهى روسيا وإيران وتركيا اتفقت على الحفاظ على الدولة فى سوريا وتكاملها الإقليمى أى حدودها الراهنة.

الصراع فى ليبيا يدخل فى دائرة التنافس والعنف أكثر منه تعبيرا عن حرب أهلية أو دولية؛ وفيها من الدبلوماسية والتنافس أكثر مما فيه من قتل. باختصار فإن المنطقة باتت تعيش فى مناخ التراجع للتيارات الأصولية، وكذلك للإرهاب، رغم استمراره وخوضه لمعركة تقهقر تصير قاسية أحيانا، ووضع تسويات لأزمات كانت «مزمنة» خلال السنوات التى تلت ما سمى «الربيع العربى». ولكن التفاؤل لا يخص فقط تراجع العنف والحرب، وتقدم التسوية والدبلوماسية، وإنما شيوع اتجاهات الإصلاح فى المنطقة، ولا شك أن أكبر مفاجآت العام المنصرم كانت التطورات التى جرت فى المملكة العربية السعودية، سواء كان ذلك فى عملية التحديث، أو محاربة الفساد، أو مشروع التنمية الطموح. مثل ذلك لا يجرى فقط فى السعودية وإنما فى الأردن والمغرب والكويت والبحرين وتونس والجزائر، هناك تيار عام للإصلاح وأن الأوضاع كما كانت ما ينبغى لها أن تستمر.

وإذا كانت هناك دولة يمكنها أن تمثل الحالة فى الشرق الأوسط فإنها مصر بما فيها من عوامل الديمغرافيا والجغرافيا وما جرى فيها من تطورات منذ مطلع العقد الحالى. وعلى الجسر الواصل بين عامين فإن مصر تعبر ذلك بقدر غير قليل من الاطمئنان والنضج والاستقرار، بعد ثلاث سنوات من العنفوان والاضطراب. توصلت مصر للمعادلة الذهبية بضرورة استمرار التنمية كما لو أن الإرهاب ليس موجودا، وحتمية الصمود أمام الإرهاب كما لو أن التنمية ليست قيدا على صانع القرار، وفى الحالتين، فإن الشعب المصرى بات مستعدا لما سوف يأتى. وما أتى كان فى عمومه مبشرا، فعلى كافة أصعدة مؤشرات الاقتصاد الكلى من معدل نمو إلى مستوى الاحتياطى للعجز فى ميزان المدفوعات إلى العجز فى الميزان التجارى، كلها سارت فى اتجاهات إيجابية ربما لا تعبر عن معجزة اقتصادية، ولكنها بالتأكيد فيها مفارقة ملحوظة مع ما كانت الأوضاع قد وصلت إليه فى العام ٢٠١٣/٢٠١٤.

التضخم كان الثمن القاسى الذى دفعه الشعب المصرى للإصلاحات الاقتصادية، ولكن الأخبار الطيبة هى أن العام لم ينته قبل أن يأخذ التضخم فى الانخفاض، وهو اتجاه يقول المتخصصون أنه سوف يستمر خلال العام المقبل، وإن كان سوف يظل مؤلما لقطاعات من المصريين من أصحاب الدخول الثابتة والمعاشات فى الطبقة الوسطى والفقراء فى العموم. مؤشر البطالة هو الآخر ظل عاليا، ورغم أنه بدأ رحلة الانخفاض، فإنه لا يبدو متسارعا، رغم النمو الجارى، ولعل سبب ذلك أن سوق العمل تدخله كل عام من الأعداد ما يحبط تأثيرات المعدل الراهن للنمو الذى دخل إلى نسبة ٥٪ لأول مرة منذ وقت طويل.

العام المصرى ٢٠١٨ سوف يحكمه أمران: العمل من أجل رفع معدل النمو لكى يتجاوز نسبة الداخلين إلى سوق العمل بقدر ملحوظ؛ ومعركة الانتخابات الرئاسية التى سيكون حاكما فيها معدلات الإنجاز، وشرعية النظام السياسى بقدرته على إدارة معركة تنافسية سياسية يختبر فيها الحكم كما يختبر فيها المعارضة أيضا. لقد خرجت مصر مرفوعة الرأس فى عام ٢٠١٧، ولا يوجد ما يمنع أن يكون الحال كذلك فى ٢٠١٨ أيضا.

 

التعليقات