" السيستم ".. والسياسة !

أستغرب جداً هذه الأيام من الذين يتساءلون بدهشة: أين السياسيين في البلد؟.. ولماذا لم يتقدم عدداً منهم لخوض انتخابات الرئاسة؟!.. أين عتاولة السياسة وقيادات الأحزاب والوجوه السياسية البارزة في البرلمان؟! أستغرب من السؤال ومن هؤلاء الذين يتباكون على موت السياسة في مصر، وكأنها كانت موجودة وقوية وحيوية في السنوات الأخيرة ثم فجأة ماتت بالسكتة الوطنية؟!!
المشكلة يا سادة أن السياسة غابت والسياسيين اختفوا بسبب "السيستم".. المناخ الذي نعيش فيه منذ سنوات لم يسمح لأسباب عديدة بوجود حياة سياسية.
وفي مصر دائماً كانت تزدهر الحياة السياسية عندما يريد "السيستم" ذلك، وأيام الانجليز والملك كانت السياسة موجودة في الأحزاب وفي المدارس والجامعات، لأن الانجليز كانوا يحتاجون من يفاوضونهم ويتلاعبون بهم ويستخدمونهم ضد الملك، وكان الملك أيضاً يحتاجهم ليساعدوه في سياساته ومناوراته، كان هناك سعد زغلول ومكرم عبيد والنحاس وغيرهم، وكانت الحركة السياسية قوية ومؤثرة في الشارع على المقاهي وفي المدارس والجامعات وفي الصحافة ومجالس المثقفين، واستمر الحال إلى أن جاء عبدالناصر فألغى الأحزاب وأوقف تطور الحياة السياسية، اعتقل ساسة "النظام البائد" أو هم اختاروا الصمت وجلسوا في بيوتهم، وظهر الاتحاد الاشتراكي كحزب وحيد على النمط السوفيتي وظهر معه في مصر جوقة السياسيين المنتفعين والمشتاقين للمناصب والمنافقين أصحاب الشعارات الرنانة، وكان الاتحاد الاشتراكي وأعضاءه هم وحدهم الذين  لهم الحق في العمل السياسي الذي كان يعني في ذلك الوقت تأييد النظام.. حزب واحد بلا معارضة، لا سياسة ولا نقابات ولا مجتمع مدني أو تنظيمات من أي نوع .
وبعد عبدالناصر استمر الاتحاد الاشتراكي ببقايا قياداته القديمة من رفاق عبدالناصر إلى أن أطاح به السادات ليبدأ مرحلة جديدة بديكور سياسي عبارة عن 3 أحزاب كرتونية يسار ووسط ويمين، ثم بعدها عاد حزب الوفد بقوة القانون، لتشهد مصر سنوات من الصراع بين السلطة والأمن في جانب والأصوات المعارضة في جانب آخر، لتنتصر السلطة أخيراً في سنوات حكم مبارك وتعيش مصر حقبة كئيبة من الجمود السياسي والمعارضة الهزيلة والصعود الخطير لما سمي بالتيار الديني بكل أشكاله الذي إحتل النقابات والجامعات وسيطر على الأحياء الفقيرة. أما الشخصيات التي إدعت العمل السياسي من خلال البرلمان فكانت السياسة التي يمارسونها عبارة عن خدمات في دوائرهم وحضور سرادقات العزاء والأفراح وتكوين شبكة علاقات مع الأمن والحكومة، وهؤلاء كانت لهم عند المصريين مسميات عديدة، نواب السبوبة الحصانة، نواب الموافقة، والمطبلاتية!، ومع أن مصر شهدت خارج المؤسسة السياسية الرسمية وبعيداً عن بيروقراطية الأحزاب أصواتا سياسية قوية وانتفاضات رائعة ومواقف شجاعة إنتهت بالإطاحة بحكم مبارك ومن بعده بحكم الإخوان البغيض، إلا أن السياسة سرعان ما اختفت مرة أخرى وهرب منها السياسيون الاكفاء والمفكرون والشباب .. وخلت الساحة من المعارضة الوطنية ، وجاء موعد الانتخابات بدون وجود منافسين حقيقيين ..لأن " السيستم " أو المنظومة ..غير موجودة !!
التعليقات