من هو الأرقى.. الكلب الوفى أم الإنسان الخائن؟!

عندما تذكر أمام المصرى أو العربى كلمة حقوق الحيوان فإنه يتندّر بسخرية: «مش لما نبقى ناخد حقوق الإنسان الأول نبقى نبص لحقوق الحيوان!!»، وكأنه لا يمكن أن نعيش مجتمعاً يحترم الإنسان والحيوان فى نفس الوقت، وكأننا لا نعرف أن الإنسان لا يكون إنساناً إلا بالعطف على الحيوان مثله مثل العطف على الجار والصديق، وكأننا لا بد أن نعيش فى كل حياتنا مشكلة إما هذا أو ذاك ولا نقتنع أن جمع هذا مع ذاك ليس مستحيلاً، فلسفة وحدة الوجود وأن الإنسان لا بد أن يتعامل مع كل الكائنات بحب وود وكأنها منه وكأنه منها، تلك فلسفة الرقىّ والسموّ، أن نعلّم أطفالنا أن قطف الورود هو قسوة وأيضاً ذبح الخراف والعجول أمام البيوت ووسط تصفيق هؤلاء الأطفال وفرحهم وغمس أياديهم فى دماء الحيوان بعد ذبحه هى تآلف مع القسوة وغلظة الحس. لا بد أن نتعلم ونعلمهم أن هناك أماكن مخصصة لتلك الإجراءات، كل الكائنات على وجه الأرض تمتلك الحس حتى أوراق الشجر، لا بد من أن نندهش وأن نُصدم وأن تتحرك مشاعرنا حين نرى طفلاً يربط كلباً ويعذبه ويسحله وسط ضحكات الأطفال، لا بد أن نقول إن ثمة خللاً نفسياً واضطراباً سلوكياً ووجدانياً يقبع داخل هؤلاء الذين وُلدوا على فطرة الحب وشوّهتهم الثقافة السائدة، فهذا الكلب الوفىّ الجميل لا يخون صديقه أبداً ويدافع عنه حتى الموت ويستقبله بحضن عميق بعد الغياب ويبكى وينقطع عن الأكل إذا رحل عن الدنيا ويموت بعده، هذا الكلب أشرف وأغلى وأرقى ممن يقتلك ويذبحك وأنت ابن وطنه لمجرد أنه يعتقد أن قتلك قد أمر به الدين!!

إذاً من هو الأفضل؛ هذا الكلب أم ذلك المجرم؟! الرد بأن هناك امرأة دخلت النار فى هرّة لا هى أطعمتها ولا سقتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض، هو رد جميل وعظيم ولكنه رد غير كافٍ، لأن هناك الفقه المضاد الكاره للكلب على سبيل المثال والمعتمد صدفة على حب راوٍ للقطط وكراهيته للكلاب! وهناك الثقافة السائدة التى احتشدت لسجن كاتبة لمجرد أنها أعلنت عن امتعاضها من مشهد أنهار الدم فى الشوارع بعد ذبح الأضحيات، وللأسف من احتشدوا وثاروا وأرغوا وأزبدوا كانوا يتوهمون أنهم حماة الدين وحراس العقيدة! ومناسبة كتابتى عن هذا الموضوع رغم عدم انخراطى كعضو فى تلك الجمعيات المدافعة عن حقوق الحيوانات التى أؤمن بدورها وبأن أعضاءها المحترمين ليسوا كما يتصور البعض «ناس فاضية»، المناسبة هى أنه أثناء مؤتمر الأمراض الجلدية فى «سان دييجو»، وهو أهم مؤتمر عالمى لهذا التخصص، اعتذرت أستاذة إيطالية شهيرة عن الحضور، وتلك الأستاذة كانت رئيسة جلسة ينتظرها كل الأطباء المهتمين، وأُعلن عن سبب اعتذارها على الشاشة وهو أنها تحضر جراحة إزالة ورم لكلبها، لم يمتعض الحضور، بل أكبروا هذا التصرف الإنسانى الراقى وقدّروه جداً، وقابلت أيضاً باحثاً مصرياً مبعوثاً إلى إحدى الجامعات الأمريكية، موضوع بحثه هو تأثير حقن الخلايا الجذعية على ظهور الشعر، التجارب تُجرى على الفئران، وهو متحمس ويتعجّل النتائج، وبمجرد وصول أول فأر من نيويورك وتعقيم المعمل وتغذيته بغذاء خارج تواً من جهاز التعقيم «الأوتوكلاف»، ذهب إلى المعمل ممتشقاً حقنته، حيث كان يجلس الطبيب البيطرى ليحقن الفأر، فأخبره الطبيب البيطرى أنه لا يمكن حقن الفأر الآن لأنه منهك من السفر وعنده «stress»، بالطبع لطم الباحث المصرى وظن أن الرجل مجنون وذهب ليشتكيه فوجد جميع أساتذته يتبنون وجهة نظر الطبيب البيطرى! تعلّم الباحث الدرس؛ أن الحيوان لديه روح وإحساس ومشاعر مثل الإنسان تماماً، لكننا نحن لم نتعلم الدرس بعد، وما زلنا نسخر، وما زلنا نعتبر أنفسنا أكثر الشعوب حساسية وإيماناً، ولم ندرك بعد أن هذا وهمٌ مثل الغول والعنقاء والخل الوفى.

التعليقات