الخصوصية المستباحة

نحن ننتج الانتهاك وندمن التجاوز ونفلسفه، ولا نعترف باحترام الخصوصية، أو أن هناك خطاً أحمر فى الحرية الشخصية للآخرين، ومع جنون عصر السوشيال ميديا أصبح كل شخص مباحاً ومستباحاً، وأصبحنا جميعاً فى مرمى الأذى من حيث لا نحتسب، ولم يعد الانتهاك والتجاوز أسلوباً ومنهجاً نتبعه مع الشخصيات العامة والمشاهير، وإنما أصبح السلوك الطبيعى مع الجميع، وكأن التدنى هو المشروع العام الذى نتسابق جميعاً لإنجازه، وإذا كان العالم يعانى من وجود صحافة صفراء زحفت إلى مصر وتوغلت فى التسعينات ولكن كانت فى حدود صحافة ورقية، أما الآن فالحياة أصبحت فى مصر عبارة عن صحافة صفراء بفضل مواقع التواصل الاجتماعى وطغيان الشر والحقد والغيرة التى تأكل بعض النفوس، وإذا كان الأذى من نصيب الجميع فمؤكد أنه يتضخم إذا كان الشخص المقصود مشهوراً، كل مشهور أو ناجح هو أضحية وذبيحة نسن لها السكاكين ثم نستلها لنجهز عليها، نحن كمن يتخفى خلف نقائصه ويخرج مشيراً إلى قاذورات الآخرين ويتألق فى التشهير وكل نقيصة تبحث عن غطاء، والبعض منا يختزن للأسف غلاً دفيناً وكراهية لشخص متميز، خاصة إذا كان مشهوراً، والغريب أننا نسعى للاقتراب من المشاهير وأحياناً نتفنن فى نفاقهم ونحرص بل ونسعد بالتقاط صور معهم، ولكننا فى داخلنا ننتظر لحظة لنقتص منهم، وكأن النجاح أو الشهرة ضريبة لا بد أن يقابلها قتل معنوى سواء بالتشهير والشائعات أو التسريب الموضة والظاهرة الجديدة، وهو ما حدث مؤخراً فى التسريب الذى تم لمجدى عبدالغنى وميدو وحازم إمام، وهو مجرد ثرثرة فى استراحة هواء أو نميمة رجالى، فهل يجوز لنا أن ننقل هذه السرية والحرية الخاصة بأصحابها لتصبح علنية وعلى المشاع؟ وهل يجوز لنا أن نتجسس وننشر على العلن أسراراً أو حواراً غير مسموح لأحد غير أصحابه بقوله وسماعه؟ من قام بتسريب هذا الحوار ليس فى قلبه مرض واحد بل تشكيلة أمراض فاخرة، ومن صنع من نفسه حكماً وقاضياً وجلاداً باعتباره حامى حمى الفضيلة، وأن الأخلاق لا بد أن تعلن عن نفسها، وبالتالى تصبح عقوبة التجريس والإدانة حقاً وواجباً بل وفرض عين، فهذا هو الخلل بعينه، أصحاب ردود الفعل الذين يستهويهم ارتداء وشاح الفضيلة عليهم مراجعة أنفسهم، فهناك خلل فى منظومة القيم والتقييم، والضرورة تستدعى إعادة ألف ولام التعريف لأشياء ومفاهيم كثيرة فى حياتنا، الأخلاق الحقة لا تعترف بالتجريس أو التشويه بل بالستر وعدم التجاوب والتفاعل مع أخطاء الآخرين، والحرية الشخصية وعدم انتهاكها من الفضائل والرحمن يأمرنا «ولا تجسسوا»، ولكن يبدو أننا نعشق التجسس، وفكرة التدين مجرد ادعاء بينما الحقيقى هو التدنى الذى أصبح منهجاً وطريقة تفكير يعلن عن نفسه من أبسط الأشياء إلى أكبرها، أصبح تعاملنا مع الكثير من الوقائع تجرى أحداثها وكأننا نتنفس الرذائل ونؤجل ونهمش كل ما هو أهم ومهم لننشغل بالتوافه والفضائح والشائعات والتشويه، وكأن الأخلاق الحقيقية الصحيحة انطفأ بريقها وترهلت، وأصبحنا نعانى خواء نفسياً وأخلاقياً ونعطى لأنفسنا كل يوم زاداً جديداً من الصفات السيئة، ووحدها الحيوانات هى التى لا تكمل أكل فريستها بل تكتفى بشرف الشبق بنهشها متسببة بتمزيقها وتركها جثة لحيوانات متوحشة أخرى، اختلاف تعريف الأخلاق بئر نسقط فيها من غير اتزان ما دمنا نبحث عن التدنى ونيمم وجهنا شطره.

 

التعليقات