القتل غير الرحيم لـ«خيل الحكومة»

لم تمضِ ساعات على حكم القضاء الإدارى بإلزام الحكومة بإضافة نسبة الـ80% من قيمة آخر 5 علاوات إلى الأجر المتغير لأصحاب المعاشات حتى بادرت حكومة «شريف إسماعيل» إلى الاجتماع عن بكرة أبيها، وقررت اللجوء إلى محكمة الأمور المستعجلة، لتقضى بوقف تنفيذ الحكم. عندما صدر حكم القضاء الإدارى لم يفرح أصحاب المعاشات، لأنهم كانوا يعلمون أن الحكومة لا بد أن تتحرك حتى تحرمهم من تحريك المعاشات. العذر الدائم للحكومة تلخّصه كلمة «ممعييش» شأنها شأن الأمهات والآباء الذين دوّختهم الأسعار وضيق الغلاء «خُلقهم»، ولم يعد على لسانهم سوى كلمة «ممعييش»، لكنّ ثمة فارقاً أساسياً بين الحكومة وأرباب الأسر. الحكومة تأخذ من المواطن ما تريد وقتما تريد، من خلال ضرائب أو رسوم أو سحب للدعم أو رفع أسعار سلع وخدمات، ووقت أن يحكم القضاء بأن يعطيه شيئاً تتذمر ثم تطعن ثم تصرخ فى وجهه بأن معها «حكم محكمة»!.

أرباب المعاشات هم الأشد معاناة بين أبناء هذا الشعب. فبعد عشرات السنين من الخدمة فى دواليب الحكومة يُحالون إلى التقاعد بمعاش لا يزيد فى أغلب الأحوال على ثلث المرتب الذى كانوا يحصلون عليه أثناء الخدمة. يكفى أن أشير لك فى هذا السياق إلى أن أكبر أستاذ جامعى فى مصر لا يزيد معاشه على 3 آلاف جنيه بعد الإحالة للتقاعد، ولولا أنهم يعملون بعد الستين كأساتذة متفرغين بجامعاتهم لكان مصيرهم شديد السوء، ويبقى فى كل الأحوال أن مَن يتوفاه الله منهم، يترك لعائلته الآلاف الثلاثة ليعيشوا بها. وقِس على ذلك معاشات العاملين بالدولة فى قطاعاتها المختلفة، مع استثناءات معينة لفئات تحصل على مرتبها كاملاً بعد المعاش. قضت الحكومة أن يواجه صاحب المعاش الحياة بثلث مرتبه بعد أن أكلت عمره وصحته وأصبح عاجزاً عن القيام بأى عمل. وأنّى له أن يفعل وهو يعيش رهن العديد من الأمراض المزمنة، ولا يستطيع أن يحيا دون مجموعة من الأدوية التى يتجرعها على مدار الليل والنهار حتى يتمكن من الاستمرار؟. هكذا يقضى صاحب المعاش ما تبقّى من عمره، عاجزاً عن العمل، ومحاصراً بالأمراض، ومهزوماً أمام مَن يعول، وعندما يرحمه القضاء ويعطيه جزءاً يسيراً من حقه، تهرول الحكومة إلى حرمانه منه.

عدد أصحاب المعاشات فى مصر يقترب من 9 ملايين مواطن يعولون ملايين الأسر. وقد نص الدستور على تشكيل هيئة مستقلة لإدارة أموال التأمينات والمعاشات واستثمارها بشكل يسمح باستغلال العوائد فى تقليل الفجوة بين المرتب والمعاش الذى يحصل عليه الموظف بعد التقاعد. وقد سبق أن ذكرت ميرفت التلاوى، الوزير الأسبق للشئون الاجتماعية، أن الحكومة فى عهد يوسف بطرس غالى سرقت أموال التأمينات وتلاعبت بالمعاشات، فى محاولة لسد العجز فى الموازنة، ولم يحقق أحد فى هذا الأمر!. هل يعقل أن تصبح أموال المعاشات أداة من أدوات سد العجز فى الموازنة؟!. أصحاب المعاشات كانوا يوصفون قديماً بأنهم خيل الحكومة الواجب التخلص منه بصورة رحيمة. اليوم يخضع هذا الخيل للقتل غير الرحيم!.

( الوطن )

التعليقات