وجوه مختلفة لنساء الدراما الرمضانية

هى مخلوق مختلف.. كائن بملامح استثنائية.. جمال بألف وجه.. وعذوبة بمذاق أنهار العسل.. إنها المرأة.. الأنثى.. الابنة والأم.. العاشقة والمعشوقة.. احتار فى تفسيرها العلماء.. وتاهت فى وصفها الأقلام.. وتوقفت دقات قلب الزمان أمام نبض قلبها المُلتاع.. وخشعت النفوس أمام رونقها وذكائها..

المرأة هى المخلوق الوحيد القادر على ارتداء المواقف بألف وجه وألف قناع وألف رد فعل.. فهى البطلة والكومبارس.. القاتل والضحية.. الحُلم والكابوس.. الأنثى وكل الآخريات.

ليلى عزالعرب.. أمينة خليل.. ريهام عبدالغفور.. وحنان مطاوع نجمات فوق العادة

إنها جولييت حين تُطلق لقلبها العنان فيصبح بوصلتها..

إنها الراهبة حين تتمنع عن العشق وتطرق باب أديرة الوحدة..

إنها شجرة الدُر حين تقرر الانتقام فتبحث عن أسلحتها فى صوان الجُرح..

إنها العرافة حين تجلس أمام فنجان حبيبها وترسم طريقها معه فى خطوط قهوته..

إنها حواء حين تطمح إلى التفاحة المُحرمة فوق أشجار الجنة..

إنها القناصة حين تصبو إلى قمة الجبل وهى قابعة عند سفحه..

هذه هى صورة المرأة التى طالما استقى منها العشاق غزلهم والشُعراء أبياتهم والفنانون لوحاتهم.. .فألهمت مكسيم غوركى رواية (الأُم).. واقتبس منها ألبرتو مورافيا (امرأة من روما).. وغزل من خيوطها ليوناردو دا فينشى رائعته (الموناليزا).. ووصفها نزار قبانى فى قصيدته (وقالت لى السمراء).

اليوم مازالت الدراما تقتبس من وجوه النساء ملامح مختلفة لبطلات المسلسلات..

 

1- نجمات يسطعن:

كالعادة من بين كل الأعمال الدرامية التى قُدمت فى رمضان لمعت وجوه وسقطت وجوه.. تنوعت الأدوار التى قدمتها الفنانات على الشاشة من دور الضحية إلى الساذجة والمفترية والعاشقة والمنتقمة وغيرها..

مما لاشك فيه أن هناك بطلات لمعن وبطلات سقطن وبطلات كان لابد أن تُطوى صفحتهن أو ربما يجب أن يفكرن جديا فى أخذ استراحة مُحارب..

مازلت لا أؤمن باستطلاعات الرأى ولا بالجوائز التى يشوبها صبغة المحسوبية ولكننى أؤمن وبشدة بنبض الشارع وقدرة المشاهد البسيط على منح أو منع النجومية.. اللهم إلا اللُغز محمد رمضان الذى مازلت لم ولن أفهم ظاهرة وجوده كفنان لا يمتلك إلا موهبة المُباهاة وركوب السيارات!.

لمعت أسماء وضوت بشدة فى سماء النجومية مثل أسماء أبو اليزيد وإنجى المقدم ومريم الخُشت فى ليالى أوجينى فى أدوار أبهرننا ببساطتهن فى تقديمها ببريق عيونهن التى كانت تشع موهبة وتألقا..

كعادتها أبهرتنا الفنانة ليلى عز العرب فى دورها فى ليالى أوجينى وهى الموهبة المتميزة التى طرقت باب الفن مؤخرا..

تألقت أمينة خليل ولكن وجودها وسط صُحبة ورد جميلة من زميلاتها الموهوبات لم يسمح لعبيرها أن يفوح بقوة..

أما ريهام عبدالغفور وكما عودتنا فى رمضان تهل علينا بقوة فى مسلسل (الرحلة) بدور رائع مذهل فى مشاهده فلا يضاهيها فى سحره سوى وقوف حنان مطاوع على نفس الدرجة حتى أكاد أجزم أنهما معجونتان بسحر الموهبة الربانية..

مازالت هناك فنانات تبحث عن ترزى وليس سيناريست ليبدو المسلسل وكأنه ميكروباص (راكب واحد) فهن سوبر مان وباتمان فى نفس الوقت!.. فمن الصُراخ والتشنج والدموع إلى الضرب والاغتصاب تُسلط الأضواء عليهن فيصبح المسلسل صريع قبضة البطل الواحد.. هذا هو الحال مثل كل عام مع غادة عبدالرازق وهيفاء وهبى على سبيل المثال وليس الحصر..

إذن فتركيبة المرأة النفسية وسيكولوجية ملامحها هى دائما الحبكة والأصل فى دراما رمضان.. وإليكم الدليل..

2- الخائنة:

ملامحها تضج بالبراءة وبياض بشرتها يشع نورا.. من اللقطات الأولى للمسلسل وهى فى حذاء المهزومة المُفترى عليها التى يشك فيها زوجها ويفرض عليها قيودا ويعاملها بقسوة ثم يترك بصماته على جسدها كلما اقترب منها فى لحظة شوق أو انهزام..

فى لحظة قهر أدمتها، تقتله أو يتهيأ لها أنها قتلته وتنتقل إلى بورسعيد حيث البيوت الدافئة فى الأربعينيات والبحر الذى يحمل ملامح الإيطاليين والحروب والاستعمار..

تقع (كريمة) فى غرام طبيب وسيم هادئ دفعته ظروفه ليتزوج من زوجة أخيه بعد وفاته ويتبنى إبنته، لكن يظل أخوه هو الحاجز بينه وبين زوجته.. ويظل طيفه فى فراشها هو العائق الأكبر لاحتلال قلبها وأحضانها..

تلك باختصار هى قصة (ليالى أوجينى).. قصة الحُب المُفعمة بالعواطف البريئة بين ظافر العابدين وأمينة خليل.. تلك القصة التى يتابعها المراهقون بشغف كل يوم..

لكن الجيل الأكبر كان له رأى آخر على السوشيال ميديا.. هذا الجيل يرى كريمة رقيقة الملامح المغلوبة على أمرها.. امرأة خائنة!.. نعم.. خائنة..

لماذا؟..

ببساطة لأن زوجة حبيبها السورية فتحت لها بيتها وظلتها بكرمتها وائتمنتها على زوجها فخانت هى الأمانة حتى لو كانت مشاعرها قد غلبتها، فالعشق لا يبرر الخيانة.. هذا هو الاختلاف بين جيلين رأيا المسلسل كلٌ من وجهة نظره..

الخيانة هى الفعل الذى لم ولن تتقبله المجتمعات العربية أبدا.. المبررات دائما جاهزة لأى فعل إلا فعل الخيانة.. لأنه يهدم بيوتا ويكسر نفوسا.. ويتحول العشق فيه إلى سلاح يوجه إلى صدر أصحابه..

سيظل المجتمع المصرى برغم كل التحرر يشير بإصبع الاتهام إلى الزوجة التى تخون زوجها ولو بالنظرة أو بالكلمة ويُصنف الرجل الذى يقع فى غرام امرأة أخرى وهو يرتدى خاتم زواج غيرها على أنه مُغتصب..

3- المُتسلقة:

شابة جميلة الملامح ملفوفة القوام.. ملامحها تضج بالتحدى وعيناها تومضان مثل البرق بالطموح.. مُحامية تعول أمها وأختها وتتعامل فى البيت وكأنها رجله.. لا تحلم بالفارس الحالم ولا بالفستان الأبيض بل إن طموحها سبق مشاعرها وحصر أحلامها فى قاعات المحاكم والنجاح من خلال ثوب المحاماة.. إلا أن ظروف أهلها المادية الصعبة جعل من أحلامها سدا منيعا لا تصل إليه سوى فى أحلامها..

تقابل رجلا ثريا يمتلك مزرعة مواشى ومطعما فى لبنان ويمتلك ثروة لا بأس بها.. لا تقع فى غرامه ولا تسير خلف قلبها بل تحسبها بالورقة والقلم.. ورغم اعتراض والدتها على الزيجة لأن العريس أُمى لا يقرأ ولا يكتب، وهيئته لا تختلف كثيرا عن الأراجوز فى السيرك.. إلا أن أميرة تقرر أن زواجها منه سوف يحقق لها أحلاما كثيرة ومثل الكثير من الفتيات اللائى يبعن أنفسهن فى سوق (من يدفع أكثر).

تفوق أميرة على الكابوس بعدما تبدلت هيئتها وحياتها فصارت ترتدى أفخر الثياب وتركب السيارات الفارهة.. كابوس الفارق الثقافى والاجتماعى.. ويبقى الصراع بداخلها قائما حتى نهاية الحلقات.. كيف تترك المال بعدما أصبح هو الفراش والسكن؟ كيف تتقبل طفلا ينمو فى أحشائها من رجل تشعر بقصر قامته بجوارها؟..

أميرة هى الفنانة اللبنانية نادين نجيم التى تزوجت من غول التمثيل عابد فهد فى أحداث مسلسل (طريق) المأخوذ عن قصة الأديب العالمى نجيب محفوظ (الشريدة).

المرأة المتسلقة هى دائما وأبدا امرأة نتعاطف معها لظروفها القاسية وهى الظروف التى تدفعها للنمو مثل اللبلاب المتسلق معتمدة على جدار من ورق البنكنوت.. إنها امرأة كل العصور.. امرأة تجعلك تذرف الدمع أمام ظروفها الصعبة ولكن الحقيقة أن الضحية فى هذه الزيجة دائما ما يكون الرجل.. الرجل الذى يتمناها ويدفع مقدمها وأقساطها ولا يلبث أن يكتشف أنه مجرد محطة مؤقتة فى حياتها!..

 

4- المقهورة:

إنها (رانيا) المرأة التى تقع بسذاجة العاشقة فى غرام رجل يعانى من مرض نفسى ولم تستطع هى فى خضم الهيام والحُب أن تكتشف مرضه، ربما لسذاجتها أو لبراعته فى التمثيل.. ويقرر الزوج أن يحبسها فى بيته أعواما طويلة دون أن ترى النور أو تخرج إليه مرة واحدة.. إنه يعشقها ولكن بطريقته الخاصة جدا.. يحافظ عليها من عيون البشر وأطماعهم فيخبئها فى كهفه المظلم حتى لو كانت النتيجة أن تذبل أوراقها وتسقط من الوحدة.

هو فى محاولة لملء حياتها يقهرها ويخنقها ويقتل الحب تحت مسامها.. على الرغم من أنه يرتدى ثوب الصديقة والمربية والطباخ وأحيانا الأم ثم الداية فى مشهد الولادة والجارة التى تتولى السبوع ودقات الهون..

ترتعد أوصالها من الخوف أمام صُراخ زوجها.. وتنتفض ضلوعها فى وقت عصبيته.. وتسقط الدموع من عينيها حين يُفصح عن ضعفه ويسقط صريع حبه بين يديها.

ارفع القبعة وانحن أمام عبقرية أداء باسل الخياط فى دور الزوج المريض نفسيا.. وكدت أن أحطم رأس ريهام عبدالغفور من شدة ضعفها وأقبلها كلما أجبرتنى على أن أصفق لها بكلتا يدى فى مسلسل (الرحلة).

حتى لو بدت القصة بالنسبة للبعض أنها بعيدة عن الواقع إلا أنها قصة حقيقية ومتكررة وتحدث كل يوم بشكل أو بآخر.. فالزوج الذى يحبس زوجته ليس بالضرورة يحبسها فى بيته ولكنه أحيانا يحبسها فى عالمه ووسط مشاكله فلا تجد لنفسها مخرجا إلا هو..

المرأة المقهورة فى عالمنا العربى هى ألف نموذج لصورة واحدة.. هى المرأة التى تنزوى فى أحلام زوجها وتحبسها طموحاته فيأخذها من حياتها وعالمها وأصدقائها وأحيانا من أهلها..

تلك الصورة هى صورة آلاف الفتيات حتى لو كان باب البيت مفتوحا على مصراعيه أمامها إلا أن الحبس عادة ما يكون انفراديا بلا قضبان.

(الفجر)

التعليقات