من يبدأ حربًا.. فعليه أن يعرف كيف ينهيها

(1)

ظلت الصين لسنواتٍ ترسل مبعوثيها إلى كل بلاد العالم. لم يكونوا من أصحاب الياقات البيضاء، لكن رجالا ونساءً بسطاء تجولوا فى ربوع العالم، ومنها مصر، ليعرفوا احتياجات الناس. المعلومات التى جمعوها كانت بداية أضخم عملية  تصنيع شهدها التاريخ. كان السعر المنخفض أهم مميزات المنتج الصينى. الحكومة الصينية استفادت جيدا من وفرة الأيدى العاملة ورخصها، وهو ما دفع أكبر الشركات العالمية لتصنيع منتجاتها هناك. الخطوة الثانية كانت إنتاج السلع بمعايير قياسية، بالإضافة إلى السعر المنخفض، ما جعل الصناعة الصينية تغزو أسواق العالم أجمع.

(2)

الولايات المتحدة الأمريكية بدأت حرب تجارية، سيد البيت الأبيض «ترامب» رجل أعمال متعجرف ومتعالٍ، يتصور أن العالم كله يحتاج أمريكا والأخيرة لا تحتاج أحدا حتى أقرب الحلفاء، فقرر الانسحاب من كل الاتفاقيات التجارية وفرض ضرائب مرتفعة على الواردات الأمريكية من الاتحاد الأوروبى والصين وكندا والمكسيك وغيرها.

(3)

خوف أمريكا الحقيقى: الصين التى يعرف الجميع أنها بحلول عام 2025 ستكون الاقتصاد رقم واحد فى العالم، إذا استمر الحال على ما هو عليه، لذا كان لا بد من عرقلة هذا النمو من جانب أمريكا التى لا تقبل الشراكة، ولكنها تبحث عن التفوق والنفوذ. هذا النهج الأمريكى دليل جهل واضح بحقيقة الصين الحديثة. بالنسبة إلى ترامب ومستشاريه، تبدو الصين كأنها دولة تعتمد على الولايات المتحدة وقابلة للإكراه والضغوط. فى حين أن الصين قوة اقتصادية عظمى، استراتيجية دونالد ترامب فى حربه التجارية مع الصين تتلخص فى إلحاق ألم اقتصادى كافٍ فى نهاية المطاف، بإجبار قادة بكين على تقديم التنازلات التى يريدها الرئيس ترامب.

أول خطأ كبير فى حسابات فريق ترامب هو نفوذ أمريكا الاقتصادى، لأن صادرات الصين أكثر من الواردات الأمريكية، وتعتقد الإدارة الأمريكية أنها بذلك لها اليد العليا، وأن اقتصاد الصين لا يمكن أن ينمو بدون الوصول إلى السوق الأمريكية.

الحقائق تشير إلى خلاف ذلك، الصين لديها اقتصاد يبلغ حجمه 12 تريليون دولار، وفى تقرير صدر هذا الشهر عن كابيتال إيكونوميكس (مؤسسة أبحاث واستشارات اقتصادية)، جاء فيه أن إجمالى الصادرات الصينية التى تواجه التعريفة الأمريكية، (والتى تبلغ 250 مليار دولار)، يمثل 1.3% فقط من الناتج المحلى الإجمالى للصين، وقد يكون الضرر الناجم عن تلك الرسوم 0.5% فقط من الإنتاج وهذه النسب لا تكفى لإجبار بكين على الانهيار.

يفترض ترامب أن الشركات الصينية ستتحمل العبء الأكبر من قراراته، لكنه يتجاهل أن غالبية قيمة الواردات من الصين تأتى من دول أخرى إلى جانب الصين، وأن ذلك سيؤثر على السوق الأمريكية فى النهاية، كما أن الواردات الأمريكية ستعامل بالمثل.

(4)

الرئيس الصينى (شى جين بينج) يقدم نفسه بصفته المدافع عن الشعب الصينى، والرجل الذى يعيد الأمة إلى مكانها الصحيح على المسرح العالمى، وسائل الإعلام الصينية تذكر الجمهور باستمرار بسلسلة من الإذلال فى الماضى على أيدى القوى الغربية وحلفائها، وخاصة اليابان.

فى المؤتمر الاستشارى السياسى للشعب الصينى الذى عقد فى مارس الماضى قال: «لقد بذل الشعب الصينى جهودًا مستمرة لأكثر من 170 عامًا لتحقيق الأحلام العظيمة، اليوم، نحن أقرب، وأكثر ثقة، وأكثر قدرة من أى وقت مضى».

يتفق الرئيسان الأمريكى والصينى فى رغبتهما فى عظمة بلادهما، لكن مشكلة ترامب أنه لا يفهم عدوه، وبدأ معركة لا يعرف كيف ينهيها، وفى نهاية المطاف، سيتعين على الطرفين الوصول لاتفاق، لأن الانتصار لن يكون حليفا لأحدهما ضد الآخر، وإن طالت الحرب سيتعرض الاقتصاد العالمى لهزات عنيفة، وسيكون بداية انهيار النظام الحالى وبداية تحالفات جديدة لن تكون فيها أمريكا على قمة هذا النظام.

التعليقات