فى شأن الذى جرى فى «تشيانج راى»!

وقف العالم على أطراف أصابعه على مدى أسبوعين تقريباً لكى يراقب ما يجرى فى منطقة «تشيانج راى» فى دولة تايلاند التى تقع فى إقليم جنوب شرق آسيا. لم يسمع أحد من قبل عن هذه المنطقة النائية، رغم أن المملكة عرفت ببلاد «سيام» من قبل، وذاع صيتها فى فيلم «هليودى» تحت اسم «الملك وأنا» تكرر بعد ذلك فى تجارب فنية أخرى جعل البلد كلها مقصدا سياحيا مرموقا لمن يبحثون عن شهر عسل. ما حدث كان دراما قوامها ١٢ صبيا فى مدرسة يشكلون فريقا لكرة القدم ومعهم مدربهم، وفى طريق عودتهم دخلوا إلى كهف فى بطن جبل يشكل واحدة من قواعد ما هو معروف بجبال الهيمالايا، ومن هناك زاغوا داخل طرق وممرات وكهوف أخرى حتى اختفوا تماما. لم يكن هناك دليل على وجود الصبية سوى دراجاتهم التى وضعوها فى مدخل الكهف الأول، وفيما عدا ذلك فكانت الحيرة كبيرة، وزادها تعقيدا أن مياه الأمطار الغزيرة خلقت من الكهوف بحيرات، ومن الطرق والممرات سبلا يصعب التحرك فيها. وفيما يبدو ألا أحد يعرف على وجه اليقين خرائط لهذا الكهف الداخلى الجبلى العجيب.

ما يهمنا فى الأمر أنه لم يعد أمرا تايلانديا فقط، وإنما بات أمرا عالميا بامتياز، بات فيه العالم يراقب، ويخفق قلبه من أجل الأطفال الذين لا يعرف أحد إلى أين ذهبوا. بدا الأمر كما لو كان قادما من أفلام الرعب التى تدور فى جبال صلدة وموحشة، حيث يختفى الناس، ومعها ينتظر الناس ظهور وحش أسطورى لا يعرف أحد متى يأتى دوره فى التعامل معها. هكذا بدا الأمر من بعيد، ولكن الصورة التى نقلتها الشبكات التليفزيونية كانت مختلفة، فلقد دخلت القوات المسلحة والشرطة التايلندية إلى الصورة بدرجة عالية من التنظيم وثبات الأعصاب والثقة بالنفس. فى البداية لم يكن أحد يعرف ما حدث، وداخل الجبل لم يكن هناك شىء يدل على وجود الأطفال وإلى أين ذهبوا، وبعد ذلك بدا الأمر مستحيلا، لأن المياه كانت تمنع الحركة والمرور من مكان إلى آخر، وجاءت تنبؤات الطقس أن «المونوسون» التى تأتى بأمطار غزيرة سوف تعقد جهود البحث أكثر، وبعد أن جرى اكتشاف المكان المرتفع الذى ذهب إليه فريق كرة القدم أصبح الزمن عدوا لكل الجهود. المدهش فى كل ذلك أن أهالى الأطفال تصرفوا تماما كما طلب منهم، جلسوا على المقاعد وبمثابرة تدعو إلى الإعجاب يصلون ويدعون وفقا للديانة البوذية أن يعود أطفالهم سالمين. ورغم أن العالم كان مشغولا تماما بمباريات كأس العالم فى روسيا، فإن الكاميرات توجهت إلى بؤرة أخرى للاهتمام العالمى حتى إن الـ«فيفا» التى لا تريد أن تفقد الكاميرا دعت الأطفال لحضور المباراة النهائية للبطولة. العالم كله قدم كل المساعدات التى يمكن تقديمها، وانتهت القصة كلها بإنقاذ الأطفال واحدا بعد الآخر، وتم حملهم إلى المستشفى وليس إلى بيوت أهاليهم الذين كانوا يشاهدونهم من خلف زجاج.

الفكرة التى باتت تلح على الرأس هى.. ماذا لو أن حادثا كهذا جرى فى مصر؟، وهل سيكون ممكنا منع المواطنين من التجمهر ودعوتهم للصلاة من أجل الأطفال ومنعهم وراء حاجز من التلامس مع الأطفال بعد الإنقاذ.. أم أن العويل والصراخ والتجمهر هو نوع من التقاليد الأصيلة التى لا يمكن تجاوزها؟ وماذا سوف تكون علاقاتنا مع دول العالم التى ترغب فى مساعدتنا؟، وهل سنخاف منها أم نرحب بها؟، وكيف سيكون تناول أحاديث المساء التليفزيونية للواقعة، وعما إذا كانت اتهامات سوف تلقى حول مدى علم الأجهزة المختلفة بخرائط الجبال؟ وماذا سوف تفعل أدوات التواصل الاجتماعى بينما الوقت يمر أولا قبل أن يعرف أحد أين ذهب الأطفال، وبعد المعرفة بأن إنقاذهم يسابق الزمن حتى هبوط الأمطار؟ هناك الكثير الذى على المصريين شكر الله عز وجل عليه، فلا مصر تعرف «المونوسون» ولا التيفون ولا الأعاصير، ولا الجبال التى لا يعرف أحد ما فى جوفها!.

التعليقات