هل ستصير الثانوية العامة للفقراء فقط؟

فرحت وكنت فى منتهى السعادة عندما وجدت أهالينا الفقراء وأولاد بلدنا الغلابة وسكان قريتنا من متوسطى الحال يقتحمون الصفوف الأولى فى الثانوية العامة ويتفوقون وتذكر أسماؤهم من ضمن العشرة الأوائل، ولكن مشكلتى أننى دائماً أنظر إلى ما تحت السطح، وما خلف الظاهر، لذلك بجانب الفرحة كان هناك التوجس والحذر ومحاولة تحليل خريطة التعليم المصرى التى صارت ترجمة لطبقية مقيتة وكريهة أعادت ترتيب الهرم التعليمى المصرى وأفقدت الثانوية العامة عنصر المساواة والعدالة والحفاظ على النسيج الطبقى والوطنى البعيد عن رائحة العنصرية والتمايز والظلم الاجتماعى، الفقراء صاروا الأوائل لأن الأغنياء وجدوا البديل، هذا جانب مهم من الصورة وليس كل الصورة، الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة التى تقاوم الذوبان وتحاول التماسك مضطرون للعيش فى أتون جهنم الثانوية العامة لأنه ليس أمامهم إلا هذا الطريق الملغوم المجهد الظالم المتعنت المحطم للأعصاب والملىء بالفخاخ وعدم تكافؤ الفرص وعدم منح الفرص والبدائل والاختيارات والراحة والمهم فرص المستقبل والوظائف المرموقة التى صار أغلبها من نصيب ثانويات بديلة وطرق تعليمية خلفية وجانبية ولها لكنات أجنبية أمريكانية خواجاتى! الثانوية العامة ومكاتب التنسيق فى الستينات وحتى منتصف الثمانينات كانت آخر ورقة توت تغطى عورة الظلم الاجتماعى، لكن بعد أن صار التعليم تعليمات، أشكال وألوان وأنواع، ثانوية عامة فرز أول ألمانى وأمريكانى وإنجليزى وألمانى واى جى وأمريكان وحروف اختصارات لغات أجنبية، استعصى على ذهنى البسيط استيعابها، ثم ثانوية عامة فرز تانى وتالت منها المعيوب والمضروب والتايوانى، الثانوية الأولى السوبر هى كومباوند الراحة، والثانية الفرط هى مخزن وجراج الغلابة، هذا هو المستقبل الذى أخشاه، هذه التفرقة التعليمية العنصرية التى شعارها اللى ما معاهوش ما يلزموش، والتى امتدت للجامعات الخاصة التى صارت تتفوق على بيزنس تجارة السلاح، نسمع الآن عن مصروفات مدارس خاصة تقترب من الثلاثمائة ألف جنيه سنوياً فى بلد يقبض فيه خريج الطب بعد سنتين من تخرجه رسمياً وهو يقترب من الثلاثين ثمن ثلاثة كيلوجرامات من اللحم الكندوز بعضمه!! التعليم أولى مهامه خلق انسجام وطنى ونسج هوية مشتركة وزرع إحساس انتماء وأننا كلنا أبناء وطن واحد، أول واجبات الدولة هو ألا نجعل هناك تعليماً سوبر وتعليماً سكند هاند، كذلك الصحة غير مسموح بأن تكون هناك صحة سبع نجوم وصحة البنسيونات الرخيصة، قديماً قال طه حسين «التعليم كالماء والهواء»، ونحن الآن نقول «هناك تعليم مياه معدنية وهناك تعليم مياه صرف صحى، وهناك تعليم نتنفس فيه الهواء وهناك تعليم يبيع لنا الهواء».

 

التعليقات