شيروكى..اعادة تدوير التاريخ
أثناء تصوير مسلسل تليفزيونى لشركة نتفليكس فى تركيا فوجئ فريق العمل بزائر لم يكن فى الحسبان.الرئيس التركى رجب أردوغان
المسلسل الذى كان يجرى تصوير حلقة منه عنوانه "قيامة أرتجرول" أى عودة أرتجرول إلى الحياة والمسلسل يدور فى القرن الثالث عشر الميلادى عندما هاجرت القبائل التركية من اسيا الوسطى هربآ من جحافل المغول لتستقر فى أسيا الصغرى وهى البداية التاريخية لتأسيس الدولة العثمانية .المسلسلات التاريخية على وجه العموم يمكن اعتبارها محاولة لإعادة تدوير التاريخ وإخراج منتج جديد منه .أما أهتمام أردوغان بهذا المسلسل فهو نابع من قناعته فيما يبدو أنه شخصيآ يعتبر إعادة تدوير لسلاطين عثمان وحقبة تسيد الدولة العثمانية والخلافة على المنطقة..
إعادة تدوير التاريخ صناعة ضخمة والمنتج من إعادة التدوير يأخذ أشكالآ مختلفة .هناك إعادة تدوير لإنتاج واقع جديد ، إعادة تدوير لتبرير صراع جديد إعادة تدوير لإنتاج شخصيات جديدة أو حتى إعادة تدوير لإنتاج سلعة جديدة. تيارات الإسلام السياسى تعيد تدوير الحقب الاولى من الاسلام لإنتاج شعار " الإسلام هو الحل" ليستدعى حكايات رومانسية مضت بعهودها وظروفها لكن بعضها كداعش أعاد تدوير كل ماكتبه فقهاء الغلظة والحقد فى قرون سحيقة ليقدمو صورة غليظة وحشية ﻻ تؤمن بالبشرية .الحرب الدائرة بين السعودية وإيران هى محاولة لاعادة تدوير الصراع بين على ومعاوية .
إعادة التدوير تسعى دائمآ للحصول على مكسب أوتقنين وضع جديد أو الدعاية لشخص أو توجه .شخصية عبد الناصر أعيد تدويرها فى وقت من الاوقات باستدعاء محاربته لتيار الاخوان فأصبح من يرفع هذا الشعار وله نفس الخلفية المهنية ناصرآ جديدآ .
أكثر عمليات إعادة تدوير التاريخ إجراما هو مافعلته الحركة الصهيونية من إعادة تدوير قصة أرض الميعاد لتذبح وتطرد شعبآ بأكمله من أرضه لتخرج لنا منتجآ حقيرآ فى صورة دولة عنصرية استيطانية.
هذا المنهج الإستيطانى القبيح حدث فى النصف الأول من القرن التاسع عشر فى الولايات المتحدة وتم تدويره مؤخرآ ليخرج لنا منتجآ غريبآ فى نهاية النصف الثانى من القرن العشرين.
فى عام 1838 حاصرت قوات حكومية قرى هندية فى جنوب الولايات المتحدة .جمع ساكنى القرى وابعدوا الى معسكرات تجميع ثم نهبت قراهم وبعد أن احرقت خيامهم عرضت اراضيهم للمستوطنين البيض من خلال ياناصيب من يكسب فيه يحصل على قطعة من أراضيهم .وفى البرودة القاسية لشتاء نفس العام قامت قوات اخرى باصطحابهم الى الاراضى الجديدة التى قررتها الحكومة لهم الى الغرب عبر نهر المسيسبى .كانت رحلة قاسية طولها قرابة الالف ميل تركوا فيها أرض أجدادهم للانتقال للمناطق التى حددتها الحكومة .كان عددهم فى مبدء الرحلة ستة عشر الفآ هنديآ وصل منهم للموقع المقرر أحد عشر ألفآ فقط أما الباقون فقضوا نحبهم فى قسوة الطريق .عرف هذا المسار الذى سلكوه باسم "ممر الدموع .كان هذا كله تنفيذا لقانون "إخلاء الهنود والذى اصدره الرئيس أندرو جاكسون عام 1830 استجابة لإندفاع المستوطنون البيض الى أراضى الهنود بحثآ عن الذهب الذى أكتشف فى بقع من تلك الأراضى.
ممر الدموع هذا كان خط سير رحلة قبيلة الشيروكى Cherokee الهندية .
لم يكن هذا مصير قبيلة الشيروكى وحدها فقد شاركها نفس المصير قبائل هندية اخرى مثل الشيكاساو والكريك وقبائل أخرى هجرت جميعها إلى الغرب .
لم يستولى المستوطنون البيض على أراضى قبيلة الشيروكى فقط فقد سرق أحفادهم أسم القبيلة نفسه عندما أستخدموا أسمها لسيارة شهيرة ...الشيروكى الجيب ... كى يقتنصوا من اسم القبيلة ما اتصفت به من جلد ومسالمة .
إذا مرت بجوارك سيارة شيروكى فاخرة فتذكر الأصل الذى تم تدويره ..رحلة الدموع والهلاك وسرقة أرض الأجداد.