جمال عبد الناصر هو اول مصري ابن مصري، لا كان بك ولا باشا، يتولى حكم مصر منذ 23 قرنا من الزمان.

هو انصف الفلاحين من جبروت الاقطاعيين، الذين كانوا في مجملهم من الملتزمين السابقين خدم المماليك وكل الغزاة.

هو ائتلف مع عصره، وقاد سفينة مصر في بحور هائجة، عربيا واقليميا وعالميا، وضمن لمصر وقتها مكانا في مقدمة الصفوف. هو لم يتسول المال ولا الولاء لأحد.
هذا هو اعظم ما له.

وما عليه كثير كذلك، هو ضرب الديمقراطية والحرية في مقتل، وأمم السياسة كلها في شخصه، فانتفع من حوله المماليك الجدد بدون رادع. وكانت النتيجة ان نظامه سقط سقوطا مدويا وفقد شرعيته بعد هزيمة يونيو 1967.

هو حول الدولة المدنية الى مؤسسة أمنية، ودمج التنظيم السياسي بالتنظيم الامني تحت قيادة شعراوي جمعة، امين التنظيم بالاتحاد الاشتراكي ووزير الداخلية.

هو بدد ثروة وعرق اجيال سابقة، فصادر وامم ما كان قد بناه المصريون قبله، ووضعه في (المؤسسة الاقتصادية)، ثم سلم الادارة للمماليك الجدد الذين عاثوا في القطاع العام فسادا، حتى خربوه، والان يبيعونه خردة.

هو المسؤول عما يسمى (نظام يوليو)، وهو نظام سقط عمليا، ولا يجري تداول شعاراته الا لاغراض وضيعة لا ترقى ابدا الى ما كان يجري طرحه من شعارات في السابق.

هو راح ضحية مؤامرات كثيرة وكبيرة ، مؤامرة الحاشية  التي اعتمد عليها، والتي تسببت في هزيمته، ثم مؤامرة الاجهزة الامنية التي اعتمد عليها، ثم انتهى الامر بنظامه الى دولة بوليسية تحت قبضة شعراوي جمعة، ثم مؤامرة قوى خارجية كثيرة عربية وغير عربية.

عبد الناصر كان زعيما لمصر، رغم كل ذلك. وسيظل رمزا لفترة تاريخية حق لمصر فيها ان تحلم، لكن حلمها سقط معه، وغاب بغيابه، ثم صحا مرة اخرى يستعيد الحياة.

عبد الناصر هو متناقضات مصر كلها اجتمعت في رجل واحد، خطيته كانت انه لم يستنهضها، ويحررها من الاغلال وينطلق بها الى اعالي السماء، لكنها بدلا من ذلك اممها في شخصه. وفيمن أمنهم وائتمنهم من رجاله.