خاشقجي والكوكب

التغطيات الإعلامية والتعليقات الشعبية وردود الفعل الدولية والإقليمية والفردية في قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي- تستحق أطروحة دكتوراه.

والجدل المثار ومعه السجال الرنان و"الهات والخد" و"الهري" والهري الآخر" والضرب تحت الحزام الدائرة رحاه تحت عنوان "خاشقجي"- يقول الكثير والكثير والكثير عن السياسات الدولية والعلاقات الإقليمية والاستقطابات المحلية والتراكمات الفعلية التي تجلت معالمها على مدار السنوات السبعة الماضية.

لقد أحدثت تلك السنوات نقلة نوعية هائلة، ليس في السياسات الدولية، ولكن في كشف الأغطية والأحجبة هنا. كما أثرت شكلاً وموضوعًا في التباينات الإقليمية، ليس عبر معانٍ بين السطور، أو إسقاطات خلف الأبواب المغلقة، ولكن بكلمات وجمل حادة موجهة لا ريب فيها، وتعبيرات حاسمة واضحة لا مجال للتأويل أو التقويل فيها.

وفي التناولات الإعلامية والسياسية، وبالتالي التناحرات الشعبية يدور الهبد والرزع حول إذا ما كانت خلفية خاشقجي مبررًا للاختفاء، أو معللًا للانتشاء، أو محددًا لسير السياسة الدولية الفترة الحالية والمقبلة لحين وقوع حدث جلل آخر. ومع تحفظي واعتراضي الشديدين على اختفاء أي إنسان لأسباب تتعلق بمعتقداته أو قناعاته، فالهبد والرزع الدائرة رحاهما حاليًا لا يتعلقان كثيرًا بمبدأ الدفاع عن حرية التعبير والتنديد بالاختفاء القسري ومعارضة احتمالات التصفية لأسباب سياسية، بقدر ما يتعلقان بالحرب الضروس الجارية أحداثها على قدم وساق في منطقة الشرق الأوسط "الجديد".

محاولات عتيدة للترويج لأفكار ظاهرها حرية وإطارها ديمقراطية، في حين أن توجهها تفكيك، وباطنها تفتيت، ومعها أنظمة وجماعات ومؤسسات وأفراد تتراوح توجهاتهم بين إيمان عميق بالحريات بغض النظر عن أرض الواقع، وبعيدًا عن عمل حساب للمعطيات الموجودة على الأرض من جهة وسياسات دول ومصالح كيانات ترفع شعار الحرية والليبرالية والديمقراطية حتى إن كانت عبر دهس شعوب وتفتيت دول.

التغطيات الإعلامية التي تدور حول خاشقجي تقول الكثير. الغالبية المطلقة على الجانب الغربي من الكوكب تغطي اختفاء خاشقجي باعتبارها قضية كونية. وبالطبع فإن أنظمة هذه الدول تتعامل مع القضية على أنها ورقة تهديد وأداة وعيد مع عدم المساس بالمصالح بكل تأكيد. لاحظ مثلاً ما قاله الرئيس الأمريكي ترامب مهددًا ومتوعدًا السعودية بـ"عقاب شديد إن ثبت أنها قتلت خاشقجي"، لكن في الوقت نفسه يقول: "نحن نعاقب أنفسنا إذا أوقفنا بيع السلاح للسعودية"، ما يعني أن اختفاء خاشقجي وما يثار حول احتمال قتله لا يفسد لود بيع السلاح قضية!

قضية خاشقجي تشكل كذلك قلبًا نابضًا في قنوات الإخوان وشقيقتها القطرية. وهذا يطرح سؤالاً حول إذا ما كان هذا الاهتمام نابعًا من اهتمام مهني من هذه القنوات بقضايا الاختفاء والتعبير والحريات، أم هو اهتمام يرتكز على دفاع عن أخ من الإخوة، أو ربما جاء إمعانًا في التهييج، أو اختيارا انتقائيا للدفاع عن هذا وتجاهل ذاك لأسباب تتعلق بمعالم في الطريق لا يعلمها سواهم.

خذ عندك مثلا هذا الخبر: "وعلق مؤسس الحركة الإسلامية للإصلاح المعارض السعودي سعد الفقيه على التهديدات السعودية لأمريكا بأنها اعتراف ضمني من قبل السلطات السعودية بالمسؤولية عن اختفاء خاشقجي".

خاشقجي الذي انتشرت له على "فيسبوك" صورة هي صفحة من جريدة خليجية كان يراسلها إبان الغزو السوفيتي لأفغانستان، وهو يرتدي ملابس "المجاهدين" مع بقية "الإخوة" وذلك أثناء عمله الصحفي أدت إلى تأجج السجالات بين الأصدقاء. فهذا يستخدم الصورة ليشير إلى خلفية خاشقجي الأيديولوجية، وذاك يدافع عنه على اعتبار أن كل المراسلين في أفغانستان في هذا الوقت كانوا يلتقطون الصور التذكارية مع المجاهدين بأزيائهم الجهادية المعروفة، وثالث يتخذ من الصورة موقفًا ذهبيًا للهبد والرزع في موقف مصر والسعودية من "الجهاد" في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وهلم جرا.

مرة أخرى هذا المقال لا يهدف إلى كشف الغطاء عن اختفاء خاشقجي، ولا يبرر اختفاءه، ولا يهلل لأذى قد يكون قد لحق به، أو يبكي على "زميل" اختفى بسبب آراء أو توجهات. هو محاولة لإلقاء ضوء على ما يدور في العالم وتحالفات القوى وما وراء دفاع هؤلاء عن أولئك فقط لا غير.

**عن مصراوي

التعليقات