مصرُ الكويتُ.. والوزيرةُ الجميلة

حرفُ العطف (الواو) غائبٌ بين كلمتى (مصر)، (الكويت) فى عنوان المقال. ليس وحسب للضرورة اللغوية التى تضع «الواو» قبل المعطوف عليه الأخير؛ إنما غابتِ «الواو» لغرض فى نفسى. فقد آثرتُ حذفَ ما بين الكلمتين من فواصلَ لغويةٍ؛ حتى أُغلِق البابَ فى وجه أيّ دخيل تُسوِّل له نفسُه بأن ينخرَ فى صُلب العُروة الوثقى التى تربط بين شعبين شقيقين؛ يشعرُ أبناءُ كلٍّ منهما أنه فى وطنه؛ مهما تنقّلَ بيهما وارتحل. حذفتُ أداةَ العطف لأُدلِّل على أنه مصرَ والكويتَ دولتان شقيقتان؛ لا تسمحُ المساحةُ الروحيةُ بينهما بأن يتداخلَ فيها واش أو حاقدٌ أو أرعنُ يحاول أن يعكِّر ما بينهما من صفو ومحبة. ولا محلَّ لسامع يُعيرُ سمعَه إلى لسان غير مسؤول يجهدُ منذ سنين فى أن يُكدِّر أرواحَ شعبين بينهما حدائقُ مثمرةٌ من الودّ والحياة والمؤازرة فى المحن والنوازل، والعمل المشترك من أجل صالح الإنسان والإنسانية. فقد كانت الكويتُ عند خفقة قلب المصريين عام ٢٠١٣ فى ثورة ٣٠ يونيو الشريفة فسارعت بالتضامن المعنوى مع قرارنا الشعبى فى إزاحة وثن الإخوان الثقيل عن قلب مصر، مثلما كان الجيشُ المصرى العظيمُ عند خفقة قلب الشعب الكويتى للوقوف معه فى وجه الغزو واحتلال الوطن وانتزاع الهوية عام ١٩٩٠.

سُطِر ما سبق من مواقف وبطولات فى الصفحات الأخيرة من دفاتر الشعبين الخالدة. ولو مرّتْ الأصابعُ على صفحاتٍ أسبقَ وأقدمَ، لنفدتْ أعمارٌ قبل نفاد صفحاتِ الدفاتر. وهنا وجبَ أن أُشيدَ بمجلس الأمّة الكويتى الذى أنكر التصريحَ غيرَ المسؤول للنائبة الكويتية السيدة «صفاء الهاشمى». كما أشكر باحترام رئيسَ المجلس المثقف: د. مرزوق الغانم الذى قال: «إن مصرَ هى قلبُ ورئةُ الجسم العربى. متى ما تنفّست مصرُ انتعشَ الجسدُ العربى، ومتى اختنقتْ، اختلّ الجسدُ العربى». وأشاد بدور مصر الخالد فى نهضة التعليم الكويتى فى أربعينيات القرن الماضى، كما سرد على مدى ستّ دقائق مآثرَ مصرَ الطيبة فى إنهاض شقيقتها الكويت، أوجزها فى عبارة مثقفة: «مصرُ أعطتنا فى وقت العُسر قبل وقت اليُسر». كما أشكر كلَّ الأقلام الكويتية الشريفة التى أعلنت أن تصريحَ النائبة المخزى لا يُمثّلها.

والحقُّ أن القيادةَ السياسية المصرية قد اختارات سيدةً مثقفة نابهة العقل، هى الوزيرة الجميلة نبيلة مكرم، للاضطلاع بمهمة مراقبة أحوال المصريين خارج وطنهم، وحفظ حقوقهم. وهو منصبٌ شاقّ ودقيقٌ ومعقّدٌ ومسؤول. تعرفُ الوزيرةُ كيف تُفكّر وكيف تتكلّم، وتزِنُ كلماتِها بميزان الذهب. والحقُّ أن تلك هى أولى صفات أى منصب دبلوماسى. فاللغة العربية الذكية حين اختارات لفظة: «سياسى» للتدليل على العمل الدبلوماسى، كانت ترمى إلى دلالات جِذر الفعل اللغوى: «ساسَ- يَسُوْسُ»؛ بمعنى القيادة والتحكّم. وهذا لا يعنى فقط قيادة الوطن والمواطن، بل تعنى فى الأساس قيادة اللسان ومعرفة ما يُقال، ومتى وأين. وما قالته الوزيرةُ المصريةُ فى شأن قضية المصرية المُعتدى عليها فى الكويت يُعدُّ نموذجًا محترمًا لما يُقال فى مسألة باتت بين يدى القضاء الكويتى العادل. قالت الوزيرةُ: «كرامةُ المصريين، وكرامةُ المرأة المصرية خطّ أحمر، لكننا نحترمُ القضاءَ الكويتى». قولٌ حكيمٌ واعٍ وضع «الإجمالَ» قبل «التفصيل».

فالفلسفةُ الإجمالية العامةُ هى: «حفظ كرامة المواطن خارج وطنه»، وهذا صُلبُ عملها كوزيرة للهجرة ورعاية شؤون المصريين بالخارج. وأما التفصيلُ، فهو ما جاء بعد «لكن» الاستدراكية فى تصريحها. وهو: «احترام دولة القانون والسلطة القضائية فى الدولة المستضيفة». وهى دولةُ الكويت الشقيقة فى تلك القضية. فأىّ عيبٍ فيما قالت، وأى قولٍ أبلغُ من قولها وأدقُّ وأشرف؟! وحين اشتعلت حروبُ التلاسن على صفحات التواصل الاجتماعى، بادرتِ الوزيرةُ المصرية بالمطالبة بالكفِّ عن الردّ على تصريح النائبة قائلة: «من فضلكم عدمَ الردّ. لأن فيه موتًا لأى تجاوز. نحن مصريون لدينا أخلاقياتٌ فلا نردُّ الإساءةَ بالإساءة».

أُكّرِّرُ شكرى للقيادة السياسية الكويتية النبيلة، ولشعب الكويت المثقف الذى ردَّ لمصرَ اعتبارَها بكل رُقيٍّ وتحضّر وشرفٍ، غيرِ مُستغرَب منه.

 

التعليقات