المركز الأول!

قال لى ذات يوم الصديق العزيز الأستاذ الدكتور على الدين هلال عندما كان وزيرا للشباب إنه سأل أحمد برادة لاعب «الإسكواش» العالمى وقد فاز توا بالمركز الثانى فى مسابقة دولية، لماذا لم يفز بالمركز الأول ومتى يفعل ذلك؟؛ فأجاب أن ذلك سوف يحدث عندما يستقر تماما فى قلبه أنه هو الأول فى اللعبة على مستوى العالم. علقت هذه الكلمات فى ذهنى منذ سنوات، والحقيقة أنه لم تكن هناك مشكلة فى تحقيق بطولة العالم فى اللعبة رجالا ونساء، ولكن فيما يخص بلدنا مصر فإن مرتبتنا ظلت فى معظم الأحوال التى يجرى قياسها فى مؤخرة المنتصف بين دول العالم. علقت فى ذهنى كلمات أخرى جاءت مباشرة فى مقابلة صحفية أجريتها مع رئيس الوزراء اليابانى «هوماتويا» ونشرت فى صحيفة الأهرام الغراء عام ٢٠١٠ وكان يقال عنه أيامها إنه «أوباما» اليابان عندما سألته عما نشر فى ذلك الوقت أن الصين على وشك أن تتجاوز اليابان فى المكانة الثانية للاقتصاد العالمى. أدهشنى ساعتها قوله إن ذلك هو الوضع الطبيعى لأن الصين من حيث المساحة وعدد السكان لابد لها أن تكون متقدمة على اليابان. ما لم يقله وقتها إن الصين قد باتت مصممة ليس فقط أن تكون فى المركز الثانى وإنما أن تكون فى المركز الأول، ورغم أن هذا التصميم كان شائعا فى الكتابات العالمية، إلا أن الشائع أيضا كان أنه ربما كان منطقيا أن تكون الصين فى المقدمة، وحقيقيا أنها تحقق معدلات نمو مرتفعة جدا وغير مسبوقة، ولكن التحفظ كان يأتى فورا بعد ذلك ولكن الصين لا تستطيع بحكم النظام السياسى والقدرات الفكرية أن يكون لديها شركة مثل «آبل» فى إبداعها وابتكاراتها.

ما حدث فعليا وقبل أن ينتهى العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين أن الصين تجاوزت الولايات المتحدة من حيث الناتج المحلى الإجمالى إذا ما حسب بالقوة الشرائية للدولار، وليست بعيدة عنها إذا ما حسبت بالقيمة الإسمية له. وفى الطريق تخرج ٨٠٠ مليون صينى من الفقر وارتفعوا إلى مراتب الطبقة الوسطى التى أصبحت الأكبر فى العالم. أكثر من ذلك أن المرحلة الحالية من النمو الصينى دخلت بقوة إلى ما يماثل «آبل» أو حتى يتجاوزها إلى الطبقات العالية للذكاء الاصطناعى. وأثناء إدارتى للمركز الإقٍليمى للدراسات الاستراتيجية منذ عامين زارنا وفد صينى وحينما سألنا عن تقييمهم للحالة المصرية فى التنمية لم تأت الإجابة لها علاقة برؤوس الأموال، أو مهارة العمالة، أو التسهيلات البيروقراطية، وإنما كانت أن البنية الأساسية الإلكترونية المصرية فى مصر متواضعة، وسرعاتها ضعيفة لا تتلاءم مع الاستثمارات العالمية فى هذه الأيام!.

هل نحن مقتنعون تماما فى داخلنا أننا ينبغى أن نكون فى الصفوف الأولى من دول العالم؟ وهل نحن عارفون بالمزايا النسبية المتوافرة فى مصر؟ وهل نحن مقدرون أن مصر بالمساحة والسكان يمكنها أن تكون فى مرتبة أفضل بكثير مما هى عليه الآن؟ وهل لدينا المعرفة الكاملة بما جرى فى العالم من تقدم إلى الثورة الصناعية والتكنولوجية الرابعة؟ منذ أيام نشرت «المصرى اليوم» لقاء صحفيا من الأستاذ مصباح قطب مع الدكتور محمود محيى الدين النائب الأول لرئيس البنك الدولى وطلب فيه الوزير المصرى السابق أن مصر لم تلحق بالثورات الصناعية الثلاث السابقة، وربما كان عليها ألا تفقد الرابعة أيضا. المسألة فى جوهرها هى أن ندرك السباق الذى نشارك فيه بحكم طبيعة النظام العالمى الراهن، وبحكم ما وضعتنا فيه الأقدار فى المنطقة التى نعيش فيها، وبمقتضى درجات التقدم والحداثة التى بدأت فى مصر منذ أكثر من قرنين، ولكن كليهما لم يكتمل ولم ينضج بعد. فى الأسبوع الماضى كان التركيز على منجزات دولة صغيرة فى السكان والمساحة، «لاتفيا» التى خرجت منذ ربع قرن تقريبا من الحجر «السوفيتى» إلى ساحة المنافسة العالمية. الآن فإن العالم كله يركز على الصين بمساحتها وسكانها وتكنولوجيتها، وفى نفس الوقت يتساءل عما إذا كان قد آن الأوان للاعتقاد أن التقدم ليس بالضرورة رهنا بنظام القيم والمؤسسات الغربى، وأن هناك طرقا عدة أخرى يمكنها الوصول إلى هذا الهدف. المسألة فى الأول والآخر ربما تكون الإيمان العميق باستحقاق المراكز الأولى، والمثابرة والصبر على السعى نحوها، والتعلم من تجارب الدول الأخرى لأننا لسنا أول من سار فى هذا الطريق بآلامه وأشواكه.

 

التعليقات