«حسبنا كتاب الله»

من أشهر الوقائع التى ارتبطت بالأيام الأخيرة فى حياة النبى، صلى الله عليه وسلم، الواقعة التى تقول: «لما حضر -أى دخل فى مرحلة الاحتضار- رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبى: هلم أكتب لكم كتاباً لا تضّلوا بعده. فقال عمر: إن النبى قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت، فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبى كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قاله عمر، فلما كثر اللغو والاختلاف عند النبى، قال لهم رسول الله: قوموا. قال عبيدالله بن مسعود: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم».

جملة «عندكم القرآن حسبنا كتاب الله»، التى جاءت على لسان عمر، تستحق التأمل. وهى تدل دلالة واضحة على أن عمر بن الخطاب أول من تبنى نظرية: «الإسلام قرآن». ليس معنى ذلك بالقطع أن عمر أراد المصادرة على أية توجيهات نبوية خاصة بالبناء التشريعى أو العقائدى أو العباداتى أو المعاملاتى للإسلام. فقد كان -شأنه شأن كل المسلمين- متبعاً لما تعلموه من سنن فعلية على يد النبى. المسلمون الأوائل تعلموا الصلاة وعددها وعدد ركعاتها وكذلك كيفيتها على يد النبى الذى عاصروه ونقلوا هذه المعرفة إلى من تلاهم من أجيال. وفى هذا السياق تبلور ما يطلق عليه «السنن الفعلية» للنبى، وهى تختلف عن السنن القولية التى تنقل أقوالاً عنه صلى الله عليه وسلم، وأمرها مختلف. كان لعمر موقف معلوم من مسألة رواية أو تدوين أحاديث النبى، وكان يرفض ذلك رفضاً باتاً. وموقفه هذا كان متمائلاً مع موقف أبى بكر الصديق، لكن أموراً كثيرة اختلفت فى حياة المسلمين بعد وفاة الشيخين أبى بكر وعمر، فتنامت أدوار رواة الحديث، ثم دخل المسلمون -بعد مرحلة الرواية- فى مرحلة تدوين وتصنيف الأحاديث، وذلك فى عصر عمر بن عبدالعزيز، أى بعد مرور ما يقرب من 100 عام كاملة على هجرة النبى، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة.

تأخر مرحلة تدوين الحديث إلى هذا العهد دفع كل من تصدى لهذه المهمة إلى الارتكان إلى أعلى درجات التدقيق والمراجعة عند جمع الأحاديث وتصنيفها. ومن التكرار المفيد أن نذكر أن صحيح البخارى اشتمل على 4 آلاف حديث تم انتقاؤها من نحو 600 ألف حديث. ويعنى ذلك ببساطة أن الأحاديث قابلة للمراجعة. وليس معنى ذلك بحال إنكار قيمة وأهمية الأحاديث النبوية كجزء لا يتجزأ من البناء المعرفى للإسلام، لكن من الضرورة بمكان أن نفرق بين الأحاديث الفعلية التى تنقل لنا فعل الرسول فى العبادات مثل الصلاة وغيرها والأحاديث القولية أو التقريرية، النوعان الأخيران من الأحاديث أمرهما مختلف، فما توافق منها مع القرآن قبلناه، وما اختلف راجعناه. وفى ظنى أن جزءاً من حرص مؤسسة الأزهر الشريف على الإسلام لا بد أن يجد تعبيراً له فى أمرين: أولهما يتعلق بتحرير كتب التراث من الأحاديث القولية التى لا تتوافق مع ما نص عليه القرآن الكريم، وتحمل مضامين غير منطقية، لأن الإسلام يقف الآن أمام جيل يحتكم إلى العقل أكثر من أى جيل مضى، وثانيهما يرتبط بعدم ترك هذه المهمة الجليلة ليقوم بها مجموعة من الهواة.

 

التعليقات