الفياجرا النسائية

منذ ثلاث سنوات كنت الوحيد الذى انتبه وكتب عن الفياجرا البمبى، وتساءلت: هل ستوافق وزارة الصحة المصرية عليها؟ كانت ردود الفعل أغلبها ساخرة تفتقر إلى المناقشة العلمية، لذلك أستأذنكم فى طرح ما كتبته مرة أخرى، فنحن على العهد، ليلتنا كالبارحة، وغدنا هو نفس الأمس، ونفس طريقة تفكيرنا لا تتغير، وربما فى الإعادة إفادة، كتبت:

بعد صراع وجدل طويل ومنهك خرجت فياجرا النساء إلى النور، وافقت منظمة الغذاء والأدوية الأمريكية، أمس الأول 17/8/2015، على عقار الـFlibanserin، أو ما سيُعرف تجارياً بالـAddyi.

وبالطبع سيكون الجدل هنا فى مصر والوطن العربى أكثر عنفاً وشراسة، لأنه لن يحمل طابعاً علمياً، بل سيحمل طابعاً قبلياً نابعاً من ثقافتنا التى ترفض أساساً الاعتراف بأن المرأة أيضاً من حقها أن تعالج اضطراباتها الجنسية، وأن تكون لها رغبة، وألا تمارس الجنس مع زوجها وكأنها قطعة جليد، فالثقافة المصرية التى تبارك ختان المرأة متخيلة وراغبة فى وأد رغبتها الجنسية وهى لا تعرف أنها فى الحقيقة تغتال إشباعها وتُبقى على رغبتها فيزداد العذاب ويتضخم الألم، هذه الثقافة من الصعب أن تتقبل علاجاً لضعف الرغبة الجنسية لأنه أساساً ما يصحش أن يكون عندها رغبة من أصله!! فهى وإن طلبها زوجها فى أى وقت، ولو على ظهر بعير، إياها أن ترفض وإلا سيلعنها الجن والإنس والملائكة حتى الصباح وتعذب فى قاع نار جهنم إلى أبد الآبدين!! الجدل هناك جدل علماء صحى، والجدل هنا جدل رجال مرضى.

تعالوا نسمع ونشوف كلام العلماء اللى بجد عن هذا الدواء الذى احتل مانشيتات الصحف العالمية وكان الخبر الأول فى نشرات الأخبار الأمريكية والأوروبية، ما يطلق عليه الفياجرا البمبى من باب التسهيل وليس من باب التطابق، فالبمبى لا يعمل مطلقاً مثل الأزرق وميكانيزم التأثير مختلف تماماً، فهو يعمل على مستوى الموصلات العصبية للمخ وليس بتدفق الدم إلى العضو مثل الفياجرا الرجالى، هذا الدواء إنتاج شركة Sprout ومخصص للنساء ما قبل سن انقطاع الدورة الشهرية واللاتى يعانين من قلة الرغبة الجنسية أو ما يسمى اختصاراً HSDD أو ما نسميه نحن تجاوزاً البرود الجنسى، وهو اضطراب يؤثر نفسياً وجسدياً بصورة كبيرة على صحة المرأة، وعلاجه ليس على الإطلاق بجاحة ولا مياصة ولا قلة أدب!

الجرعة قرص يومى مساء قبل النوم، وهناك محاذير كثيرة، أهمها تفاعلاته الخطيرة مع الكحول التى تسبب الدوخة والإغماء وانخفاض الضغط بصورة ملحوظة، ونفس الكلام ينطبق على مضادات الفطريات الممنوع تناولها مع هذا الدواء. والمدهش أنهم هناك وافقوا على إدراجه فى التأمين الصحى بتكلفة من 30 دولاراً إلى سبعين دولاراً فى الشهر!! ويُتوقع أن ينزل إلى الأسواق فى أكتوبر المقبل. الطريق إلى تسجيل الدواء ورحلة الحصول على موافقة المجتمع العلمى كان فى منتهى الصعوبة والمشقة، فالدواء كان مسجلاً فى البداية كدواء مضاد للاكتئاب من شركة Boehringer Ingelheim وتم رفضه من هيئة الدواء فى يونيو 2010 بنسبة رفض عشرة إلى واحد!! ثم اشترت حق تصنيعه وتطويره شركة Sprout وأجرى المزيد من الأبحاث ورُفض مرة أخرى، وفى اجتماع لرابطة علمية كبيرة تضم أطباء النساء والعظام والمسالك والاضطرابات الجنسية وهيئة لدراسة أمان الأدوية تمت الموافقة بنسبة 18 إلى 6 لمراجعة الدواء فى يونيو 2015، إلى أن تم القبول النهائى. إنها صرامة المجتمع العلمى ووسوسته ووضع كل شىء تحت ميكروسكوب البحث المفصل الدقيق، مهما كانت المدة ومهما كان حجم المصاريف والنفقات.

أتوقع جدلاً سوفسطائياً عندما ينزل هذا الدواء إلى مصر، فالطبيب عندنا يلقى بمراجعه العلمية جانباً ويقذف بها من أقرب شباك حين يتعلق الأمر بمناقشة اضطرابات الجنس عند المرأة، فهو يغلب عقده وكلاكيعه وهواجسه الجنسية وأوهامه الأيروتيكية وثقافته القبلية على كل ما تلقّاه من علم. غالباً ستجد الداعشيين من أكثر الناس استخداماً له وتهريباً لأقراصه ومنحها بالعافية للسبايا والمحظيات حصولاً على المزيد من المتعة، طبعاً متعة الرجل الداعشى لا متعة الجارية أو المحظية، فالمفروض أن تكون خرساء جنسياً وهو الثرثار الوحيد (بالثاء وليس بالصاد) والفحل الأعظم والشهريار الأوحد.

التعليقات