على هامش الفستان

إنه الخبر الأكثر قراءة، والاسم الأكثر بحثًا، والقضية الأكثر إثارة، والجدل الأكثر اشتعالاً، والشغل الشاغل والهم الطاغى. طغى الفستان على مصير جثمان خاشقجى ومسار أزمة ريجينى ونتيجة حركة «السترات الصفراء» ومآل المواجهة بين روسيا وأوكرانيا.

استهلك فستان الممثلة رانيا يوسف «شىء وشويات». وقت وجهد وفكر وجدال ونقاش وهات وخذ وهرى وهرى مضاد تتبخر فى ثنايا الفستان. اجترار لزمن الفن الجميل ومصر زمان وبكاء على أطلال زمن الفن القبيح ومصر الآن. هبد فى ملكية المرأة لجسدها، وعلى من تضرر ضرب رأسه فى أقرب حائط، ورزع حول ملكية الآخرين لجسد المرأة، وعلى من يتضرر منها اللجوء لزوجها ليقتص منها. عرض لصور «مايوهات» زمان على شاطئ الإسكندرية، وسرد لنقاب الآن فى قلب المعمورة.

ولم تكن بقية أرجاء المعمورة استثناء. فقد قفز الفستان ليترأس قائمة الأخبار الأكثر قراءة على بى بى سى، والكلمة الأعلى بحثًا على «جوجل»، والتريند الأكثر رواجًا على «تويتر». لكن الغرق هناك ليس كالغرق هنا. ولولا تصاعد أحداث الفستان، وخروجه من كونه مجرد فستان غريب يعكس ذوقًا عجيبًا إلى فستان هز كيان المجتمع وزلزل قواعد الأخلاق وخلخل معايير السلوك، لظل الفستان شأنًا داخليًا سقفه هبد ورزع محليان، وخضعت صاحبته لجلد شعبوى هادر قوامه رعب جمعى مما قد يصيب التدين الفطرى الهادر، وفزع مجتمعى مما قد ينجم عن الفستان من هدم لقواعد السلوك الملتزم والمتحفظ للغالبية المطلقة من المتدينين. الغالبية المطلقة من المصريين تأرجحت بين الرفض والشجب للفستان. البعض ارتكن إلى أنه مناقض للثقافة المصرية، والأغلبية ارتكزت على جانب دينى إسلامى، وكأن المسيحية واليهودية تشجعان على التعرى. أما الأقلية فتراوحت بين تشجيع للممثلة على جرأتها، أو دعوة للمتضرر بعدم النظر إليها، أو الاعتراض على الفستان لأنه لم يكن أنيقًا ولا يرقى لحدث عالمى. لكن الحق يقال إن الوصول إلى العالمية الحقيقية لم يتحقق عبر مهرجان القاهرة السينمائى بقدر ما تحقق بتفضل محاميين بإقامة دعويين قضائيتين يتهمان فيهما الممثلة بـ«التحريض على الفسق والفجور»، وهى الجريمة التى تصل عقوبتها إلى الحبس خمس سنوات. ولأن البعض يصف إجراءات القضاء بـ«البطء» فقد جاء تحديد جلسة يوم 12 يناير للنظر فى الدعوى لتشير ربما إلى الأهمية القصوى لمسألة الفستان وتهديده للدين والأخلاق وأركان المجتمع وقواعده الراسخة.

وترسخ ظاهرة إقامة الدعاوى القضائية من قبل «رعاة الأخلاق» و«حماة الفضيلة» و«حراس السلوك» صورتنا فى بلاد الفرنجة باعتبارنا من الشعوب التى ترعى الأخلاق عبر قاعات المحاكم، وتحافظ على السلوك بالمطالبة بتوقيع العقوبة على من يروج للفجر بفستان.

(المصري اليوم)

التعليقات