خلايا نائمة فى قلب مؤسسات الدولة

نجحت جماعة الإخوان فى اختطاف ثورة الخامس والعشرين من يناير، حققت ذلك لأنها كانت الجماعة الوحيدة المنظمة والتى كانت تعمل بشكل منتظم منذ ثمانية عقود، عاصرت نظما سياسية متنوعة، منذ أن نشأت عام ١٩٢٨، تعاملت مع الاحتلال ونسقت معه وحصل المؤسس والمرشد الأول على الأموال من السفارة البريطانية فى القاهرة، وتعاملت الجماعة مع النظام الملكى وحاولت استغلال الملك ودفعه للدخول فى مشروعها عبر المناداة به خليفة بديلا عن الخليفة التركى بعد أن ألغى كمال أتاتورك الخلافة فى تركيا. دخلت الجماعة بشكل أو آخر فى علاقات وروابط مع تنظيم الضباط الأحرار، واعتبرت نفسها شريكا فى حركة الجيش فى ٢٣ يوليو ١٩٥٢، حاولت القفز على السلطة فكان الصدام الشديد مع عبد الناصر وكانت محنة الجماعة الأولى عام ١٩٥٤ والثانية عام ١٩٦٥. تعاون معها السادات واستعان بها، أخرج قادتها من السجون وسمح بعودة آخرين من الخليج ومنح الجماعة حرية العمل بل سلمها ملف التعليم فى البلاد، فتغلغل أنصار الجماعة فى مؤسسات الدولة لا سيما التعليم والحكم المحلى، وانتهى الأمر بصدام جديد دفع السادات حياته ثمنا له وللعبة محاولة ترويض الجماعة وتوظيفها، فالجماعة هى الحركة الأم لكافة التنظيمات الجهادية المسلحة، وتوظف هذه التنظيمات فى علاقتها بالدولة، تقول للدولة إنها الأقدر على ضبط هذه الجماعات وترويضها، وتفاوض الدولة على ثمن ذلك سياسيا، وفى نفس الوقت تبقى على هذه الجماعات وتمدها بكل ما تحتاج من متطلبات إعاشة فهى تحتاجها فى إدارة العلاقة مع مؤسسات الدولة.

نجحت الجماعة بعد ذلك فى وضع قواعد للعبة مع مبارك، ودفعت الأخير ليتوهم أنه وصل إلى صيغة تعايش مع الجماعة حيث سمح لها بالعمل بقدر من الحرية، بالخروج إلى السطح والعمل مع استمرار مسمى «المحظورة»، كان يبعث برجاله للاتفاق مع الجماعة على نسبة التمثيل فى البرلمان قبل إجراء الانتخابات، توهم مبارك ونظامه أنه أمن شر الجماعة، وأنه قدم لها ما يجعلها راضية قانعة، وفى الوقت نفسه عمل على توظيف الجماعة فى الحصول دعم الغرب عبر التأكيد على مقولة «أنا أو الفوضى والإخوان» فقد تعامل مع العواصم الغربية طويلا على قاعدة أنه الأدرى بشؤون بلاده، وأن مصر غير جاهزة للديمقراطية وأن الضغط فى اتجاه ديمقراطية كاملة فى مصر سوف يصب فى مصلحة الجماعات المتشددة المتعصبة، وهو ما تبلور بوضوح إبان ثورة يناير عندما قال «أنا أو الفوضى».

عموما سقط مبارك ورحل غير مأسوف عليه، ونجحت الجماعة بحكم ما دخلت فيه من علاقات وقامت به من مناورات، فى اختطاف ثورة الخامس والعشرين من يناير بشقيها البرلمانى والرئاسى، وهنا هالنا ما اكتشفنا من خلايا إخوانية كانت نائمة فى قلب مؤسسات الدولة المصرية، اكتشفناها بعد أن حان وقت تنشيطها، فكان العدد الهائل من الخلايا التى كانت نائمة وبعضها كان فى قلب الحزب الوطنى، فى لجنة سياسات الوريث، (هشام قنديل نموذجا) ومع بدء جلسات مجلس الشعب جرى تنشيط معظم الخلايا التى كانت نائمة، ومع فوز مرسى بمنصب الرئيس تم تنشيط باقى الخلايا لنفاجأ جميعا بكم هائل من الشخصيات التى كانت تعمل فى مختلف المجالات وفى قلب مؤسسات الدولة، تعلن انتماءها للجماعة وتفاخر بذلك، وتلاشت الفواصل التى كانت تميز بين الجماعة وأحزاب وجماعات سياسية، بل شخصيات كانت تقدم نفسها باعتبارها منشقة عن الجماعة ومختلفة معها، وفوجئنا بأن الجميع إخوان، ثم ظهر المتحولون الذين كانوا يفاخرون بالانتماء للحزب الوطنى ويعلنون أنهم جزء من التيار الليبرالى وهناك من كان يقول إنه يسارى، فوجئنا بأنهم تحولوا إلى العمل مع الجماعة، وأخيرا انضمت لهم الفئة الانتهازية التى تبحث عن المكاسب وتولى وجهها شطر المصالح. مع سقوط مرسى اختفت هذه الوجوه منها من هو فى السجون ومنها من هرب خارج البلاد ومنها، وهو النوع الأخطر، من عاد للنوم مجدداً فى قلب مؤسسات الدولة، فى انتظار العودة والتنشيط من جديد، ليمارس دورا تخريباً، يعمل على الهدم من الداخل، وهى ظاهرة فى غاية الخطورة لوجودها فى قلب مؤسسات الدولة، واطلاعها بحكم الموقع والوظيفة على معلومات وتصورات وخطط، يجرى تمريرها للجماعة فضلا عن الدور التخريبى فى قلب مؤسسات الدولة المصرية الأمر الذى يجعل المراجعة ضرورية والتطهير مسألة حتمية، فخلايا الجماعة نائمة فى قلب مؤسسات الدولة والمصالح الحكومية وتتواجد أيضا فى مؤسسات وأجهزة حساسة وتوجه ضربات قاتلة لجهود الدولة المصرية فى البناء والتنمية وتدعيم اللحمة الوطنية، ومن ثم لا بد من المراجعة السريعة وتطهير مؤسسات الدولة والأجهزة ذات الحساسية من خلايا الجماعة.

 

التعليقات