" الحضن " الذي هز مصر !

تذكرت وانا اتابع ملحمة " حضن طالبي المنصورة " أشهر شخصيتين في السينما المصرية أحمد ومنى وحضنهما الشهير في نهاية فيلم أغلى من حياتي ، وسألت نفسي : ترى ماذا كان شعب ٢٠١٩ سيفعل في المخرج محمود ذو الفقار وفي شادية وصلاح ذو الفقار وفي شعب سينما ١٩٦٥ بعد ان يشاهد هذه " الفضيحة العلنية" التي ارتكباها ،بل وفي كل الفضائح التى كانت السينما ترتكبها في ذلك الزمان ؟!

نعم .. مصر تغيرت وانقلبت فيها كل المعايير في نصف القرن الاخير .. الناس والسينما والثقافة وفهمنا للاخلاق وللدين ، ولكن ان يصل حجم الانقلاب القيمي والثقافي الى حد ان يتحول " حضن " شاب لشابه في سن المراهقة الى قضية القضايا في الاعلام وفي مواقع التواصل وفي الجامعات وفي الازهر ، وينشغل المجتمع المصري كله بالحديث لاسابيع عن الحضن الشهير والعار الذي لحق بالتقاليد الجامعية والاخلاقية والدينية ، فهذا مالم استطع فهمه وتصديقه !.
حادثة صغيرة عابرة كهذه ماكانت تستحق اكثر من اجراء روتيني داخل اسوار الجامعة ، ولكن يبدو ان خوفنا على الاخلاق الحميدة وعلى طهارة ونقاء المجتمع والجامعة صار اكبر في زمن الخطاب الاعلامي العظيم الذي نعيشه ، وفي زمن الملائكة الذين يقودون ثورة الفضيلة والنزاهة والحداثة في دور العلم والصحافة وقنوات التليفزيون .
وانا اتحدث هنا عن المسئولية الجامعية ( التي تتفهم وتستوعب وتعالج هذه الوقائع اليومية العادية بروح العلم والتربية ) واتحدث عن الاعلام ( التنموي التربوي الواعي البعيد عن الاثارة الرخيصة ) ، ولا يعنيني تلك الاصوات الزاعقة المنافقة المطالبة بذبح الطالب والطالبة نجما " حادثة الشرف " الشهيرة التي لو كان يوسف ادريس سمع بها لاعتزل الكتابة ! .
 
وعندما نقول ان الثقافة السائدة في المجتمع المصري الان هي ثقافة " منافقة " لا علاقة لها بأخلاق وقيم ومثل حقيقية ، فإننا نعرف كيف حدث هذا التجريف في الوعي عبر عقود احتل فيها الفكر الظلامي المتخلف مؤسساتنا التعليمية والعلمية والاعلامية والثقافية حتى وصلنا الى مانحن فيه الان حيث مازال التطرف الوهابي الذي نشره الاخوان ومئات من اوكار السلفيين موجوداً بقوة ويظهر في حوادث فجة كالتي وقعت في جامعة المنصورة .
 
وبالتأكيد فإن التدخل الانساني لشيخ الازهر في اللحظة الاخيرة  لتخفيف عقوبة طالبة الازهر ساهم نسبياً في تهدئة الضجة ، ولكن ذلك حدث ذلك للاسف بعد ان صارت الفضيحة عالمية وسمعتنا كمجتمع عفيف يكره الاحضان وصلت للاعلام الغربي !!.
وبعد ماجرى الذي جرى ادركت اننا نحتاج بشدة  في مؤسساتنا الاعلامية والتعليمية الى فرق عمل للتعامل مع الازمات والفضائح التي تفجرها مواقع السوشيال ميديا ،  فلا يجب ان نترك لعمرو اديب واحمد موسى وتوفيق عكاشة وريهام سعيد وحدهم مهمة التوعية  والتوجيه والتعامل مع مثل هذه الوقائع ، لانهم - كنجوم كبار - ربما تهمهم اشياء اخرى غير تحجيم " الفضيحة " وربما لا يلتفتون كثيرا لسمعتنا ومنظرنا كدولة وشعب امام العالم  ونحن نحاكم شاب وشابه على حضن عفوي في مكان عام !. نحتاج لاساتذة في التربية والثقافة وفي الامن الاجتماعي لحمايتنا من الفضائح الاكبر التي تتورط فيها مؤسساتنا الجامعية والاعلامية .
 
وربما نحن ايضاً في حاجة ماسه لان نسترجع تاريخ هذا البلد العظيم ثقافيا وفنياً ، وكيف كان الفن المصري والثقافة والكتاب والمعلم المصري هم رسل التحضر والحداثة ومنارات تشع تنويراً وعلما في المنطقة باسرها .
 
واظن اننا الان بمنطق " ذبح الحضن الذي هز مصر " يمكن ان نحاكم احسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وحسن الامام وصلاح ابوسيف بل وان نضع طه حسين نفسه في السجن بتهمة ممارسة ابطاله الرزيلة في " دعاء الكروان " ،  كما اننا يمكن ان نعاقب بأثر رجعي ابطال كل مشهد حضن في السينما المصرية ، وتخيل عبد الحليم حافظ ونادية لطفي وميرفت امين ماذا يمكن ان يفعل فيهما برهامي وجماعته لو عاد بنا الزمن للسبعينات ؟.. وتخيل مرسي جميل عزيز و الابنودي وهما  خلف القضبان الان يبكيان ويغنيان بأسى  " .. حتى في احضان الحبايب شوك .. ياحبيبي " !!
التعليقات