الحالة المصرية في ٢٠٣٠

هل يمكن للاقتصاد المصرى أن يكون فى المكانة السابعة فى العالم مع حلول عام ٢٠٣٠؟ الخبر على هذا النحو خرج من مؤسسة «ستاندارد تشارترد» البنكية المالية والتى تعمل فى العديد من دول العالم غالبيتها فى آسيا وأفريقيا. والحقيقة أن ما جاء فى هذا التنبؤ لم تكن مفاجأته تتعلق بمصر، وإنما فى حدوث انقلاب هائل فى توازن القوى الاقتصادية (ما هو أكثر من ذلك سوف تجده فى مصادر أخرى سياسية واستراتيجية؟!) بين الصين والهند فى ناحية، والولايات المتحدة وأوروبا فى ناحية أخرى. وبتعبيرات أخرى بين الشرق ممثلا فى آسيا، والغرب معبرا عنه بأوروبا وأمريكا الشمالية وكلاهما يمثل الآن ٣٥ ٪ من الناتج الإجمالى العالمى. معنى ذلك أن قرنين، أو أكثر قليلا من الهيمنة الغربية على العالم ربما يكونا قد قاربا على النهاية حيث يتصدر الاقتصاد العالمى وبفارق كبير الصين والهند، وبعدهما تأتى الولايات المتحدة ثم بعد ذلك نجد دولتين آسيويتين هما إندونيسيا وتركيا ثم البرازيل فى أمريكا الجنوبية. ما جاء عن مصر ومكانتها السابعة كان نتيجة الحسابات، وثبات استخدام المقياس على دول العالم فيما يتعلق بحجم الاقتصاد فى الدولة؛ فهو ليس له علاقة بتوزيع الثروة، ولا بمدى السعادة الموجودة فى المجتمع، ولا مدى الرضا عن النظام السياسى أو الاجتماعى للدولة بين المواطنين. هذا المقياس يعتمد على التكافؤ فى القوة الشرائية للدولار من خلال سلة من البضائع والسلع متساوية القيمة الفعلية، وليس القيمة الاسمية له والمعلنة فى البنوك للتعبير عن التوازن بين العملة المحلية والدولار عرضا وطلبا.

للتوضيح فإن هناك بين مصر والولايات المتحدة مجموعة من السلع والبضائع والخدمات أيضا المتساوية، بمعنى أن المستهلك يمكنه الحصول على نفس منتج «ماكدونالد» فى البلدين.

... وكذلك الحصول على قص للشعر بنفس الكفاءة وعلى نفس درجة الأناقة فى المكان، ولن يختلف فى النهاية الكيلووات من الكهرباء من حيث التشغيل فى البلدين، وهكذا يمكن تحديد القيمة الشرائية للدولار لنفس السلعة أو الخدمة. هذه القيمة هى التى تحدد الناتج المحلى الإجمالى للدولة؛ أو بصورة عامة حجم اقتصاد الدولة. هنا فإن دولارا واحدا فى البنك يساوى تقريبا ثمانية عشر جنيها مع التقريب الحسابى، وعشرة دولارات هكذا تساوى مائة وثمانين جنيها، وهذه فى الولايات المتحدة تشترى رطلا واحدا من اللحم، بينما فى مصر تشترى كيلو ونصفا من نفس النوعية من اللحوم أى أربعة أرطال تقريبا (الكيلو= ٢.٢ رطل). وهكذا فإن الناتج المحلى الإجمالى للولايات المتحدة الذى يساوى ٢٠ تريليون دولار تقريبا يظل على حاله تبعا للقوة الشرائية للدولار فى أمريكا بينما يرتفع الناتج المحلى الإجمالى المصرى من٣٠١ مليار دولار، إلى ١.٤ تريليون دولار.

الصين فى هذه الحالة، الآن وليس غدا أو عام ٢٠٣٠، تصبح هى الاقتصاد الأول فى العالم لأن القوة الشرائية لاقتصادها تصبح ٢٧ تريليون دولار بعد أن كانت عند التداول بين الين والدولار تساوى ١٤ تريليون دولار. الاقتصاديون يختلفون فيما بينهم حول مصداقية كلا المقياسين لمعرفة حجم الاقتصاد، خاصة عندما لا يكون معلوما حجم الاقتصاد غير الرسمى، أو مدى التداخل بين القيم المالية والمادية فى عمومها مع قيم أخرى مثل السعادة أو الرضا أو التوزيع. ومع ذلك فإن ما نشر عن مصر ليس من الأمور المستحيلة، بل إنها تجعلنا نقدر أكثر حجم الاقتصاد المصرى الذى تضعنا قيمته الاسمية الآن فى المكانة ٤٩ على مستوى العالم بينما تضعنا قيمته بالقدرة الشرائية للدولار فى المكانة ٢١.

القيمة هنا لها علاقة بحجم السوق التى تجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية خاصة عندما تصاحبها معدلات مرتفعة للنمو. وفى العموم فإن حسابات المؤسسة المالية الموضحة أعلاه قامت على معدلات النمو الحالية التى تتراوح بين ٥ و٦ فى المائة واستمرارها هكذا حتى عام ٢٠٣٠؛ أما إذا ارتفعت أو انخفضت فإن النتيجة سوف تكون مختلفة بطبيعة الحال. هذا الارتفاع أو الانخفاض ليس من أنواع القضاء أو القدر، أو ما هو محتوم من أمور الطبيعة، وإنما هو من عمل البشر المصريين. والمعادلة التى عرفناها من أن مصر بلد كثير السكان قليل الموارد لا أساس لها من الصحة، فسكانها أقل من سكان اليابان ومع ذلك فإن مساحتها ثلاثة أمثالها وكذلك النسبة مع بريطانيا.

ولمن لا يعرف فإن الفارق فى المساحة واسع مع سنغافورة أو وسويسرا وهولندا وبلجيكا، والقول بالمقابل أن تسعين فى المائة تقريبا من المساحة المصرية ما هى إلا صحراء قفراء ليس فيه صحة. فالحق أنها تطل على 2500 كم من الشطآن ويمر بها أهم ممر مائى فى العالم ممثلا فى قناة السويس، وفيها من المعادن ومصادر الثروة الأخرى. كل ما نحتاجه هو الاستثمار الواسع من الداخل والخارج والذى لا تقف أمامه بيروقراطية، ولا نظرة دونية للذات، أو حالة من الخوف الرعديد من الخارج وما سوف يأتى منه عداء وخصومة. لقد تحدث جمال حمدان عن عبقرية مكان مصر، وتحدث نابليون عن أنها أهم بلد فى العالم، ولكن كليهما كان ينظر لها من زاوية الجغرافيا السياسية وحركة الصراعات الإقليمية والدولية التى تموج حولنا.

وبشكل ما فإن تصورا خاطئا ذاع أن الغنى لا يأتى إلا مع النفط، وطالما أنه ليس لدينا منه الكثير فنحن بلد قليل الموارد. ومع ذلك فإن مصر فيها من زاوية الجغرافيا الاقتصادية ما هو أكثر، وقد عرفنا أنها كانت سلة خبز الإمبراطورية الرومانية، ومن بعدها كانت هى التى تأتى إليها الهجرات من الشام والجزيرة العربية عندما يشح الماء ويكثر الجدب ولا يبقى إلا وادى النيل يأتى له الغزاة والأنبياء، والآن فإن ما كان مفقودا من الطاقة والنفط باتت البشرى به على الأبواب. النخبة المصرية الآن، شبابا وشيوخا، عليها أن تبدأ من نقطة مختلفة عن تلك التى عاشتها طوال عقود مضت تقدمت فيها مصر بسرعة الحصان، بينما كانت دول كثيرة تجرى بسرعة الصاروخ، وجاء الوقت لكى نسير بنفس السرعة، وساعتها ربما لن تكون هناك «خضة» وارتجاج من تنبؤ أن يكون حالنا عام ٢٠٣٠ كما توقعت شركة بنكية ربما كانت أكثر ثقة منا بأنفسنا.

 

التعليقات