قطار المطبوع فى «جراج التاريخ»

اتجاه النية إلى رفع أسعار الصحف المطبوعة يشكل عاملاً جديداً يضاف إلى العوامل التى تعمّق من الأزمة التى تعانى منها سوق الصحافة. لا تفعل الصحف ذلك من نفسها، بل الظروف تضطرها إلى ذلك، فارتفاع أسعار الطباعة والورق يفرض عليها زيادة أسعار النسخ المبيعة. مستهلكو الصحف فى مصر صنفان: الأول، القراء المخلصون لثقافة المطبوع، وهم قلة. والثانى يشترى الجريدة -لا ليقرأها- بل ليستخدم ورقها فى سد احتياجات متنوعة لديه!. تراجع معدلات التوزيع حتمى لدى هذين الصنفين من المشترين فى حالة ارتفاع أسعار الصحف، فمن اعتاد على الإخلاص للوسيط المطبوع سيكتفى بالاعتماد على المواقع الإلكترونية للصحف، ومن يستخدم ورق الصحف سوف يلجأ إلى حل آخر أقل تكلفة.

الزيادة المتوقعة فى أسعار الصحف سوف تصل بالوسيط المطبوع إلى المحطة الأخيرة فى تاريخه فى مصر، فأى زيادة فى سعر الصحيفة المطبوعة يؤدى إلى تراجع توزيعها بنسبة قد تصل إلى 40% فى بعض التقديرات. وإذا أخذت فى الاعتبار معدلات توزيع الصحف حالياً، ونسب المرتجعات، فسوف تتأكد أن قطار الصحافة المطبوعة يوشك الآن على الدخول إلى «جراج التاريخ». توزيع بعض الصحف اليومية فى مصر لا يزيد على بضعة آلاف تعد على أصابع اليد الواحدة. ورقم الـ100 ألف نسخة لا تصل إليه أشهر الصحف اليومية التى يعرفها القارئ. أما نسب المرتجعات فحدث ولا حرج، فهى تتراوح ما بين 30 إلى 50% فى بعض التقديرات. يحدث ذلك فى بلد يزيد تعداد سكانه على 100 مليون نسمة!.

فى دنيا الاقتصاد يقولون إن تراجع الطلب على سلعة من السلع مرده عجزها عن إشباع حاجات واحتياجات المستهلك. الصحافة المصرية بطريقة أو بأخرى غير ناجحة حالياً فى تقديم محتوى يلبى احتياجات القراء. فى مراحل تاريخية سابقة كان توزيع بعض الصحف اليومية يتجاوز النصف مليون نسخة، فى وقت لم يكن عدد السكان فى مصر يزيد على 80 مليوناً. حينذاك لم يكن «المنافس الإلكترونى» قد دخل على الخط، وكان المطبوع يغرد وحده فى سوق الصحافة. الأمر اختلف خلال السنوات الأخيرة، حين أصبح محتوى الصحف المطبوعة عاجزاً عن إقناع الجمهور بالقراءة، ناهيك عن المساحات الكبرى التى احتلتها المواقع الصحفية والإخبارية الإلكترونية كمصدر للمعلومات فى حياة القراء. مع ضرورة الإشارة بين قوسين إلى أن المواقع المصرية تعانى هى الأخرى من ضعف حجم الترافيك أو المرور عليها بسبب تهافت محتواها.

المحتوى الفقير معلوماتياً يعجز عن إقناع القارئ بالاستهلاك. والمحتوى التحليلى الذى يجنح إلى الدعابة أو التحريض جعجعة بلا مضمون. الصحافة المصرية تعانى «أزمة مضمون». والتفكير فى أن زمن المطبوع ولّى، وأن زمن الإلكترونى حل، عند تناول مسألة تراجع أرقام توزيع الصحف هو تفكير غير دقيق فى بعض الأحوال. المشكلة قائمة فى الإلكترونى، كما هى حاضرة فى المطبوع والمسموع والمرئى. والنتيجة فى كل الحالات هى ضعف قدرة الإعلام المصرى على التأثير فى جمهوره، الذى أصبح يؤثر الانصراف عنه إلى غيره.

التعليقات