رمضان والقانون

هل يمكن أن يكون شهر رمضان المبارك فرصة لتطبيق القانون؟ ولا أقول «عودة» القانون، وذلك لأن مفهوم التطبيق لدينا لطالما كان «بعافية».

عافية تطبيق القانون وقوته وبأسه العادل تبدأ بالتطبيق، دون إضافات شعبية أو تحبيشات أو محسنات طعم سياسية أو محفزات رضا اقتصادية. عافية القانون تبدأ بتطبيقه، وتمر بتطبيقه على الجميع، وتؤتى ثمارها حين تعرف الغالبية أن الالتفافات والتزويغات لن تؤدى إلا إلى عقاب.

عقاب الالتفاف يجب أن يكون واضحًا. لا مجال هنا لـ«معلش النوبة» و«ده راجل غلبان» و«ما تعرفش أنا مين؟!» والملتفون على القانون بالملايين. لماذا؟ لأن هكذا جرت العادة. ولأن الجميع يعلم أنه فى عهود سياسية سابقة كان القانون يطبق فقط على من لا ظهر له. ولأن الكل يعرف أن ثقافة خبيثة ذات جذور شريرة موجودة لدينا اسمها هواية كسر القوانين، وهى هواية لا تقتصر على الأميين أو الجهلاء أو أنصافهم، لكنها للأسف تجد صدى قويًا وقاعدة شعبية عميقة. صاحب السيارة الفارهة لا يجد غضاضة أو يشعر ببشاعة حين يسير عكس الاتجاه توفيرًا لـ50 مترًا إضافية ليدور بسيارته ويسير فى الاتجاه الصحيح. وضابط المرور الهمام لا يجد حرجًا أو يحس بغلط حين يوقف سيارته منزوعة الأرقام ذات الزجاج الأسود البهيم على الناصية بينما يجلس على كرسيه متكتكًا على هاتفه المحمول. والطبيب الفذ لا يفكر مرتين قبل أن يشعل سيجارته فى عيادته التى يلجأ إليها المرضى بحثًا عن علاج من التلوث. وأمين الشرطة لا تهتز له شعرة حين تمرق التكاتك القبيحة أمام عينيه فى الشارع الرئيسى فى الاتجاه وعكسه لمجرد أن أوامر عليا لم تصدر بتوقيف هذه المركبات التى كانت وبالاً إضافيًا على ما أصابنا فى مصر من فوضى وعشوائية وتلذذ بالقبح.

القبح الحقيقى هو أن نتظاهر بأننا معتكفون مصلون متضرعون إلى الله سبحانه وتعالى لأننا متدينون جدًا وباحثون عن الحسنات الكثيرات وآملون فى رضا الرحمن عنا، بينما بديهيات تنظيم الحياة وتفاصيل الحفاظ على الأرواح غير واردة فى فكرنا من الأساس. القبح الحقيقى هو أن تترك الدولة المواطنين كل ينفذ القانون بحسب أهوائه ومعتقداته وتوجهاته. فمن يرى الميكروفون الذى يقتحم الجدران والخصوصية والرغبة فى سماع أو عدم سماع ما يبثه هو التدين بعينه والورع بذاته، يفعل ذلك دون رادع. ومن يعتبر التوك توك غير المرخص و«التمناية» المرخصة ملاكى وسيلة مواصلات الغلابة، لذا يجب أن تترك بلا ضابط، يفعل ذلك دون مراجعة. ومن يعتبر السير عكس الاتجاه، وإلقاء القمامة فى الشارع، وسرقة الكهرباء من عمود النور، وقبول الرشوة، وتدخين السجائر، والتحرش بالنساء، والتفوه بالشتائم، وطلاء شرفته بمبة مسخسخ، ونزع لوحة أرقام سيارته أو طمسها حرية شخصية، لا يجد من يستوقفه. فهل يمكن توافقًا مع روح رمضان أن تقرر الدولة أن تبدأ فى تطبيق القانون لتصبح حياتنا آدمية؟

التعليقات