من «الهارد وير» إلى «السوفت وير»؟!

فى الثانى من يونيو ٢٠١٣ نشرت مقالا فى هذه المساحة تحت عنوان «هارد وسوفت وير!!» استعرت فيه من لغة الكمبيوتر ما يصف الواقع المأساوى فى مصر قبل أقل من شهر من ثورة يونيو. مضت الآن ست سنوات فارقة، جرت فيها ثورة، وحدثت فيها حرب ضد الإرهاب، وتمت فيها عمليات واسعة النطاق لإعادة بناء البنية الأساسية بدءا من قناة السويس وعودة الكهرباء والغاز وحتى أكبر شبكة طرق عرفتها مصر فى تاريخها الحديث، واتخذت فيها قرارات صعبة وقاسية أحيانا لإصلاح المؤشرات الكلية للاقتصاد حتى تحسنت إلى حد كبير، وجرت ربما أكبر عملية للتوسع العمرانى فى البلاد، فلم تظهر مدن جديدة فقط، ولكنها كانت مدنا تليق بمصر فى القرن الواحد والعشرين. كان فى كل ذلك، وما هو أكثر منه، قفزة كبيرة فى «الهارد وير» المصرى تحمل ثمنها الاقتصادى المواطن المصرى والسياسى القيادة المصرية؛ وخلال المرحلة القصيرة المقبلة، أى حتى منتصف ٢٠٢٠، فإن قفزات إضافية سوف تجرى فى مجالات الزراعة والصناعة بعد أن يصل مشروع المليون ونصف مليون فدان إلى مرحلة النضج، وتدخل المجمعات الصناعية فى محور قناة السويس، وتجديد صناعات الغزل والنسيج إلى مرحلة تصديرية متقدمة. وفى الحقيقة فإنه لم يعد مدهشا الإعلان كل يوم عن مشروعات جديدة، وربما كان الأكثر جدة حالة المرونة الاقتصادية لهذه المشروعات سواء من حيث استخدام إدارات أجنبية لها، أو حتى كما هو مطروح فيما يخص محطات الطاقة البيع لشركات عالمية ليس بمستطاع أيا منها أن تحمل أيا منها على كتفها وترحل.

لم يمر كل ما سبق دون نقد، إما لأن الأولويات كانت مختلفة، أو لأن الحكمة التى استندت عليها كل منها لم تكن بالوضوح الذى تتصوره الحكومة؛ ومع ذلك فإن الصورة الكلية بقيت إيجابية وهناك شعور بأن الوطن قد مر بالأوقات الصعبة. ولكن النقد الكبير الذى ذاع خلال هذه المرحلة فقد كان أن «الهارد وير» لا يكفى، وأن البلاد تحتاج إعادة هيكلة تشريعية وإدارية كبيرة حتى يمكن الحفاظ على كل ما ينجز؛ فالمدن الجديدة لا يكفى أنها جديدة وعصرية، وإنما القضية هى كيف ندير ما هو جديد وعصرى؟ وأكثر من ذلك أهمية فإن هناك قضايا لازمة للتقدم: التعليم والصحة، واللامركزية، والثقافة، والسياسة. هذه كلها مع تحديث التشريعات والقوانين تعبر عن «السوفت وير» المصرى، وفى الظن أنها لن تقل إن لم تزد فى التعقيد والتركيب والخلاف فى الرأى عن كل ما سبق. خبراء التنمية فى العالم والذين عكفوا على دراسة تجارب الدول النامية وجدوا أن هذه الحزمة من المجالات فضلا عن ضرورتها فإنها هى التى يقل التوافق حولها لأنها تمس جميع المواطنين فى معظم الأوقات؛ ومن ثم يكون الاختلاف حسب الموقع الجغرافى والطبقى والثقافى والأيدلوجى لكل مواطن. وعلى أى الأحوال فإن النقاش قد بدأ حول كل هذه القضايا بالفعل، وربما كان الأبرز واضحا فى مجال التعليم، فهناك من يرفض من الأصل تحديث التعليم اللهم إلا إذا كان فى الأبنية التعليمية أو زيادة مرتبات المدرسين، وهناك من يريد كما هى العادة أن يكون الإصلاح متدرجا حتى يمكن استيعاب التغيير، وهناك بالطبع من يؤيدون وبحماس الخطوات التى قام بها الدكتور طارق شوقى. وفى مقال له بـ «المصرى اليوم» فإن الدكتور سعد الدين إبراهيم عمّد وزير التربية والتعليم كأهم شخصية تعليمية مصرية منذ الدكتور طه حسين. المتحفظون على ما يقوم به الوزير بالرفض الكلى أو بدعوى الاعتدال، يثيرون نفس المنطق الذى ثار فيما يخص «الهارد وير» الجديد، حينما جرى تفضيل توزيع الثروة على بناء الثروة، وحينما تم الدفع بعيدا بأهم مقومات «التقدم» وهو «الزمن» الذى لا يجرى فيه سباق الدول والأمم فقط؛ وإنما الأهم السباق إلى آفاق لم تعرفها الإنسانية من قبل. الإصلاح الجارى فى التعليم ليس مجرد «تابليت» كما أراد له معارضوه، والمرجح أنهم لا يعرفون تلك الأداة البشرية العجيبة المؤثرة فى المعرفة والعلم والاتصالات والبحث والشغف والانبهار والعجب؛ هو ثورة متعددة الأبعاد.

ما يجرى فى التعليم هو المقدمة لكل ما يتعلق «بالسوفت وير» المصرى فى مجالاته المشار إليها، هى طلقات المدفعية الأولى فى معركة التقدم الصعبة، والتى تحتاج إلى المعلومات وثورة فى المحتوى الإعلامى وانطلاقة كبرى فى الحوار الوطنى، فالحقيقة كما نعلم من عالم «الكمبيوتر» أن الهارد وير لا يكتمل إلا ومعه «السوفت وير» وبينهما «الجوريثم» ينظم العلاقة بينهما، وهو ما يحتاج حديثا فى يوم آخر!.

التعليقات