ثانوية عامة جدًا..

فور سماعك كلمة «ثانوية عامة» يختبر بعضنا وجع البطن وتسارع نبضات القلب ويحكى آخرون أنهم مازالوا يحلمون بنفس الكابوس منذ أعوام «تأخرت على امتحان الثانوية العامة!!» مهما مرت سنون.. تظل الأجيال المتعاقبة تعانى من نفس الأعراض الموسمية المصاحبة لموسم امتحانات الثانوية العامة!. ماذا فعلت بنا تلك التجربة.. للدرجة التى جعلت مجرد ذكر اسمها كفيلًا باسترجاع كل دفعات المشاعر السلبية!.

الثانوية تجربة «عامة جدا» مرت بها الغالبية العظمى من أجيال أواخر السبعينات وما تلاها وحتى يومنا هذا – ولا أبالغ حين أقول إننا حين طبقنا النظم التعليمية العالمية كالتعليم البريطانى والأمريكى فى مصر، مصرناها وصبغناها بصبغة الرعب والتنافسية وشوهنا الطريقة لأجل النتائج! فصارت حتى التجارب التى كان من المفترض أن تكون أبسط وأقل تعقيدا، معقدة بشكل مرعب ومزعج!.

لن أنسى جملة مدرسة الكيمياء فى الثانوية العامة «لو أختك هتزاحمك ع المكان ف الجامعة.. زقيها وخدى المكان!!» جملة صادمة لخصت كل شىء!! لخصت ثقافة الزحام بكل ما فيها من صراع على بديهيات وتزاحم على اختيارات معدودة وكأن الحياة فرغت من سواها! إنها ثقافة عشناها فى تلك الحقبة فعلا.. لكنها لم تعجبنى أبدا!! كرهتها جدا.. ولم أفهمها فى حينها!.

لكننى أفهم أكثر كم كانت تلك الجملة خاطئة كل عام.. وفى كل خبرة وفى كل خطوة أخطوها فى حياتى فالحياة أكثر اتساعا جدا من مجرد (مكان فى كلية!) والاختيارات أكبر جدا من اختيار بين (طب وصيدلة وهندسة) بل وأصلا تلك الاختيارات التقليدية لم تعد هى مجالات العمل الوحيدة فى الحقبة الجديدة.. الحياة متسعة لدراسة إدارة المشروعات الإلكترونية والأزياء وصناعة المجوهرات والفن والموسيقى وكل شىء..

كلما اتسعنا للعالم.. أدركنا كيف كانت الثانوية العامة ضيقة وصغيرة وغير مصيرية بالمرة! إنها مجرد خطوة!! عادية جدا.. لا تحدد أى شىء سوى ذلك المقعد فى تلك القاعة فى كلية ما.. بينما العالم يتسع لآلاف من المقاعد ويتسع بالأكثر للتعلم دون مقاعد والتعلم الإلكترونى والتعلم المهارى.. يا الله! كما كنا صغارا حين بكينا وانهرنا لأجل درجة أو اثنين! وكم كنا صغارًا حين ظننا أننا امتلكنا الكون عندما اجتزنا الثانوية العامة.. الحياة أكثر اتساعًا من كل هذا الضيق !! ليس مجموع درجاتك ولا حتى شهادتك هى من يؤهلك أصلا لتلك المنافسة.. إنما مهاراتك الشخصية، اللغوية، خبراتك وقراءاتك.. كلها أمور تحصل عليها بنفسك.. لنفسك!! لا تمنحها لك جامعة ولا تضمنها لك درجات!!

الثانوية العامة تذكرنى بقصة الباب المخيف الذى خدعونا لسنين أن وراءه أسدًا!! ولما تشجعنا وفتحناه.. وجدنا خلفه فأرًا مختبئًا.. فببساطة هى خطوة يجب الاجتهاد فيها.. إنما الرعب منها جريمة فى حق أنفسنا وشخصياتنا ومستقبلنا..

حظ سعيد فى تلك (الخطوة) البسيطة فى مشوار واسع وممتد وكبير..

 

التعليقات