نهاية عصر الحجاب

 

ظاهرة خلع الفنانات الحجاب مفهومه في إطار عاملين ، الأول أن الأغلبية الساحقة منهن عندما قبلوا بلبس الحجاب كانوا يمرون بمرحلة إضطراب نفسي إما لكبر السن أو إنصراف المنتجين عن الاستعانة بهم لصالح أجيال أصغر . الثاني أن الإسلام السياسي حاول استغلالهن لتحقيق انتصار رمزي علي المجال الذي شكل علي مدي التاريخ تحديا خطيرا لنفوذ رجال الدين علي عقول وقلوب  الناس وهو مجال الفن . من يقرأ في كتاب سليم حسن " الأدب المصري القديم " سيكتشف كيف كان الكهنة في العهد الفرعوني مشغولين بجذب الناس الي المعابد ، تحت دعوي تعليمهم التقوي ، بينما كان شاغلهم الحقيقي هو القرابين والنذور التي يقدمها الناس ، ولأن الفن في حد ذاته متعه ورقي إنساني ،فقد بارت بضاعة الكهنة ، ولم يعد الكثيرون يذهبون الي المعابد ويفضلون الذهاب الي أماكن الترفيه للاستمتاع بالفن الجميل من موسيقي ورقص وحكايات . ماذا فعل الكهنه في هذه الفترة ؟
لقد حاولوا منافسة الفن الذي يكرهونه بسبب حب الناس له بشكل فطري وطبيعي  ، وبسبب ان الناس تنفق علي الاستمتاع به بدلا من وضع القرابين والنذور في المعابد، وهو أخطر ما كان يهددهم في مكانتهم وفي مكاسبهم المادية . يقول سليم حسن : في البداية اخترعوا أساطير لإثارة الخوف لدي الناس فأدعوا ان الإله سوف يعذب كل من يسمعون الغناء والموسيقي ، وفي يوم الحساب سيصب معدن مصهور في اذان من كانوا يستمعون للموسيقي ( لاحظ ان السلفيين يستخدمون نفس الأسطورة بأحاديث مضروبه كالعاده ) ، رغم ذلك لم يرتدع المصري القديم وبقي علي هجره للمعبد وعلي إقباله وحبه للفن بكل أنواعه . عندها لم يجد الكهنة من وسيلة لجذب الناس لمعابدهم الخاوية سوي القبول بإدخال الموسيقي والغناء في الطقوس والصلوات في المعبد ، ولأنهم أشرار بالفطرة شأن رجال الدين في كل مكان وزمان ، فقد احتالوا بتكليف المعاقين من الرجال والداعارات ليقوموا بطقوس الغناء في الصلوات ، علي أمل أن يشكل ذلك عنصر تنفير للناس من الفن والفنانين علي المدي البعيد . ولكن مسعاهم خاب أيضا وظل الناس علي عشقهم للفن بالاستماع له سواء في المعابد او أماكن الترفيه ، وكان تقيمهم واحد فالفن الجيد سيفرض نفسه أيا كان القالب الذي سيصب فيه ، وجودته هي التي تحدد قبوله أو رفضه. أمتدت الظاهرة نفسها علي مدي التاريخ الإنساني كله وحتي اليوم ، فرجال الدين يحاولون قتل الفن للسيطرة علي النفوس التي تصبح خربه عندما يختفي الفن ، والفطرة الإنسانية المتطلعة للجمال والبهجة تقاتلهم في كل مكان حتي في عقر دارهم ، فالمصريون يحددون من يستمعون له وهو يتلوا القرآن ، والتلاوة فن ، لذلك كره الكهنة التلاوة الجميلة  وحاولوا فرض أسلوب الوهابيين الخالي من الجمال اللحني ، ولكنهم فشلوا وبقي عشق المصريين لسماع القرآن بتلاوة فنية من افواه المشايخ الذين اشتهروا قبل فترة الظلامية الاسلاموية الحديثة ، بل ان المنشدين الصوفيين زادوا من كمد الكهنة عندما صارت المدائح النبوية تكتب علي الحان عاطفية شهيرة .  وبقي المصريون يستمعون للفن بكل ألوانه الديني الجميل والدنيوي الأجمل في آنا واحد وبلا تعارض .
المعركة لن تنتهي قريبا ولكن البشائر قوية علي نهاية الحقبة الظلامية التي حاولت قتل الفن بتحجيب الفنانات ، ومحاولة خلق ألوان من الاحتفالات بالزواج والميلاد خالية من الموسيقي .
الكهانة مهنة القبح بكل ألوانه ، وأنا متفائل بأن الجمال سينتصر علي القبح مهما بدا أن الأخير سيطر لبعض الوقت . عاش الفن سر الجمال والحياة رغم انف أسوأ ما انجبته البشرية (تجار  الدين ) .
التعليقات