الدراما والإعلام السياحى

الإعلام الذى لا يعبر عن واقع المجتمع يعد إعلاماً مسيئاً وفاسداً بل إعلاماً مدمراً لأجيال قادمة؛ لأنه يشكل سلوك ومفردات الصغار ويوجهه ويرسم أفكار ومعتقدات الكبار ممن لا يحملون قدراً كافياً من العلم والثقافة والفكر، ‏ولهذا فإن ما ظهر من الأيام الأولى لخريطة الإعلام فى رمضان الحالى فى ظل أزمة وجائحة عالمية دولية تسمى كورونا لا يعبر ولا يدل على أن هناك أى خطة أو سياسة واضحة لوزارة الإعلام والسيد أسامة هيكل وزير الإعلام الذى كان من الممكن أن ينتهز هذه الفرصة الذهبية ويضع بصمته الوزارية وخطته الاستراتيجية للإعلام المصرى العام والخاص مع غياب كامل ‏وتام لدور الهيئة الوطنية للإعلام، ولذا فإن الخريطة الرمضانية الإعلامية للقنوات الخاصة شكلاً والرسمية موضوعاً مع القنوات التابعة للتليفزيون المصرى كل هذا أكد أننا نعيش فى عشوائية غير مسبوقة وغير مبررة لأن رأس الدولة أنشأ كيانات ‏إعلامية مستقلة، ومع هذا لم تؤدِ دورها ولم تثبت وجودها، فاضطر الرئيس لأن يعين وزيراً للإعلام فى محاولة لإحياء ذلك الجهاز من الغيبوبة ووضعه فى غرفة الإنعاش، ‏ومع هذا لم نجد إلا تصريحات السيد وزير الإعلام عن خطة الحكومة فى مواجهة كورونا والحظر وتداعياته الاقتصادية والصحية على المجتمع.

‏رمضان هذا العام شهد أيضاً ظاهرة المسلسلات التافهة السخيفة المسماة كوميديا الموقف واللفظ والحركة وهى تميل إلى الإسفاف واستخدام الإيماءات الجنسية والكلمات الوضيعة الحقيرة وتبادل السباب وكأن هذا مدعاة للضحك وخفة الظل وهو فى الحقيقة مزيد من السوقية والإسفاف ‏مع الأطفال والمراهقين الذين يتابعونهم ويتصورون أن هذا الابتذال اللفظى جزء من تكوين شخصية الإنسان الظريف الجاذب للآخرين عن طريق الألفاظ والحركات والإيماءات، وكأن الوطنية للإعلام لم تقرأ ولم تشاهد ما يجرى وتنتظر من شبكات التواصل الاجتماعى والرأى العام أن تبدأ وتأخذ المبادرة فى رفض إعلان مسيئ للمرأة قبل الرجل وللأسرة ولكل معايير الأخلاق والقيم ‏وحين يهب الرأى العام تبدأ الوطنية للإعلام فى الصحوة لاتخاذ قرار الإيقاف مع أن المسلسلات والبرامج التى تتصدرها راقصات وأنصاف النجوم تستحق أكثر من وقفة، ومنع من العرض على «النايل سات» القمر الصناعى المصرى، أو حتى من العرض على القنوات التى تمتلكها شركة الإعلام الخاصة بأحد أجهزة الدولة السيادية!!!

‏والتى يعرض عليها هذا الإسفاف والانحدار الفنى باسم الترفيه والتسلية والترويج، وهذا يذكرنا بمسرح الثمانينيات والتسعينيات الذى تحول إلى مسرح سياحى بديلاً أو موازياً لكباريهات شارع الهرم من أجل الفرفشة والنعنشة وإضحاك الزبون البترولى صاحب الريالات والدينارات، وهو ما يحدث الآن فى الإعلام والدراما التى لا تعبر من قريب أو بعيد عن المجتمع المصرى الصامد الصابر المثابر، وتقدم السرقة والدعارة والحمل السفاح والمخدرات والأسر المفككة المتناحرة والحارة المليئة بالموبقات على أن هذا هو المجتمع المصرى الذى يعجب الخليج فيشترى، اعملوا ليرى الفتوة والبرنس والساحر والتاجر والخائنة والسارقة والداعرة والفاجرة فى صور مصرية وأعمال تسمى دراما ومسلسلاً وهى مجرد كباريه له عنوان مختلف كل عام.. وغابت دراما الطفل والدراما التاريخية والدينية والبرامج ‏الاجتماعية وصورة مصر الحقيقية وليست تلك الصورة البشعة المشوهة الفاسدة التى فرضها علينا هؤلاء الكتاب والمنتجون الذين يبحثون عن الأموال، وفشلت شركات الاتصالات فى إعلاناتها الرخيصة المكررة، وخاف الإعلام أن يذيع القرآن والأحاديث الدينية القديمة للكبار من العلماء والفقهاء حتى لا يكسر الحظر وإنما أفرد مساحات للطبل والزمر والدم والرعب والفضائح فى برامج سخيفة، وما زلنا نترقب «الاختيار» كطوق نجاة فى خضم ذلك البحر الهائج المائج من إعلام وإعلان ودراما هابطة.

(الوفد)

التعليقات