السيناريو الكابوس

الانتخابات الأمريكية أصبحت أشبه بالبورصة. التوقعات واستطلاعات الرأى كثيرًا ما تضع الفوز فى كفة «جو بايدن»، ويصبح ذهاب «ترامب» نوعًا من تحصيل الحاصل. لا يستمر هكذا كثيرا لأن هذا الأخير لديه أيضا من ينسجون الاستطلاعات ويصلون إلى النتائج إما بالحديث عن الانتخابات السابقة ٢٠١٦ وكيف خيبت الأرقام آمال الجميع فى مصداقيتها، أو بالتركيز على آلية المجمع الانتخابى وكيف أنها لا تتطابق مع ما يتنبأ به الطرف الآخر. فى الأسبوع الأخير، اتجه المؤشر الفائز نحو ترامب، ليس فقط لأنه شهد اتفاقيات سلام بين الإمارات والبحرين فى ناحية، وإسرائيل ومعها الولايات المتحدة بالطبع فى ناحية أخرى، ولكن لأن المرشح يكسب مرحلة الإعلام بامتياز فى وقت يبدو فيه بايدن منطفئًا وعاجزًا عن النجاة من الخطاب اليسارى فى الحزب. ولكن ذلك لا يعطى نقطة النهاية فى النقاش، فالكتب تتوالى.. من كتاب محامى ترامب مايكل كوهين «مذكرات خائن»، إلى كتاب «الغضب» للصحفى بوب وودوارد، وبينما الثانى يدينه سياسيًا، فإن الأول يدينه أخلاقيًا، فهو كذوب خائن بلطجى ورجل نساء فاحش. ولا يبدو مدهشًا فى ظل هذا وذاك ما إذا كانت «الأتلانتيك» تذيع ما يراه الرئيس الأمريكى فى المجندين الأمريكيين فى حروب أمريكا الطويلة وأنهم «مغفلون».

ومع ذلك، وفى هذا الجانب أو ذاك، فالأرجح أن غالبية من الأمريكيين سوف يتنفسون الصعداء إذا ما انتهت الانتخابات الأمريكية يوم الثالث من نوفمبر القادم بفوز واحد من الطرفين. فلهذه النتيجة كانت الانتخابات مثل المباريات التى لابد من فائز فى نهايتها، وإذا كان نجم بايدن ساطعا، فربما يعود الهدوء إلى الساحة السياسية مرة أخرى، أما إذا فاز ترامب فإن أربع سنوات أخرى من دونالد ترامب سوف تكون بالتأكيد مسلية.

الكابوس الذى يطارد الأمريكيين الآن يسير على الوجه التالى: أولًا، أن نتيجة الانتخابات سوف تكون متقاربة للغاية.. شىءٌ شبيهٌ بتلك الجولة التى دارت بين آل جور الديمقراطى وجورج بوش الابن الجمهورى، وانتهت بفوز الأول بالأغلبية الشعبية، ولكن الثانى بات قريبا جدا من أغلبية المجمع الانتخابى إذا ما كان فائزا فى ولاية فلوريدا. هذه الولاية جرى فيها احتمال أخطاء فى حساب الأصوات، والتى بعد عدِّها مرارا وتكرارا وصل الأمر إلى الكونجرس فى المحكمة الدستورية العليا التى قالت بفوز بوش. تنازل جور وتنفس الأمريكيون الصعداء. شىءٌ من هذا جرى فى انتخابات ٢٠١٦ بين هيلارى كلينتون ودونالد ترامب، وفاز الأخير بسرعة لأن نتيجة المجمع الانتخابى كانت قاطعة. وثانيًا، أن النتيجة المتقاربة جاءت بفوز واحد من الطرفين إما بقسمة الشعبى والمجمع أو بحصول أحدهما على النتيجتين معا، ولكن مع انتظار نتائج فرز أصوات الناخبين المرسلة بالبريد.

هنا تحديدًا يكمن كابوس الانتخابات الأمريكية كلها، وطبقًا لمصادر أمريكية عديدة فإن ٤٠٪ من المصوتين سوف يرسلون أصواتهم بالبريد بسبب وباء كورونا، فكثيرون لا يريدون ورود أماكن التصويت المزدحمة وغير المسلحة بفضائل التباعد الاجتماعى، ومعنى ذلك أنه أيًا كانت النتيجة فسوف تكون قاصرة. هنا سوف يكون الانتظار الشاق، الذى سوف تصاحبه دعاية ترامب أن إصرار الديمقراطيين على الانتخاب بالبريد ما هو إلا لعبة هدفها التزوير والتلاعب بالنتيجة لصالحهم. ماذا يحدث فى ظل ذلك كله؟.. وأيًا كانت النتيجة قرر دونالد ترامب عدم الخروج من البيت الأبيض بسبب عدم اطمئنانه لنتيجة الانتخابات التى جاءت عبر رحلات طويلة للبريد وليس أمام صناديق الانتخاب الزجاجية التى يجرى فرزها فى المكان وفى التو واللحظة وأمام أعين المراقبين والمتابعين!

هذا السيناريو ليس بعيدًا جدًا عن الحساب، وربما تغذيه اتهامات ترامب المستمرة للتصويت بالبريد والتى بدأها منذ حملته الانتخابية السابقة فى ٢٠١٦، والدفاع المستميت عن هذا التصويت من جانب الديمقراطيين لأنه يقدم الحرص على صحة الشعب على أمور الانتخابات. كيف سيكون الحال آنذاك، فى تلك اللحظة التى تكون فيها الانتخابات معلقة على حافة استقطاب شعبى وسياسى حاد؟

منذ فترة ليست بعيدة، شاهدت فيلمًا أمريكيًا بطولة «كيفين كوستنر» عن انتخابات رئاسية باتت كلها معلقة على صوت واحد ضاع لأسباب فنية، فكان القرار بإعادة الانتخابات فى المقاطعة التى ضاع فيها، وأصبح صاحب الصوت هو أهم شخصيات الأمة. الفيلم هنا كان من ناحيةٍ إشادةً بالعملية الديمقراطية، ومن ناحية أخرى أن صوتًا واحدًا يمثل فارقًا كبيرًا فى تقرير من يكون رئيس البلاد. ولكن ما أبعد الحالة الآن عما جاء فى الرواية، فما نحن بصدده هو ملايين الأصوات بعد انتهاء التصويت، والتى يجرى عليها التشكيك من طرف أو آخر!.

التعليقات