خطوة فى محلها

 قررت السلطة الفلسطينية التخلى عن رئاسة مجلس الجامعة العربية فى دورته الحالية، احتجاجاً على هرولة العديد من الدول العربية نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

تأسست جامعة الدول العربية عام 1945 بالتزامن مع حالة الغضب العربى إزاء المخططات الصهيونية التى لم تكن تخطئها عين فى فلسطين. وهو الغضب الذى زادت حدته منذ انتفاضة البراق عام 1929، وأخذ يتصاعد طيلة الثلاثينات وحتى منتصف الأربعينات.

التفت الشارع العربى فى ذلك الوقت إلى الصوت الفلسطينى الصارخ. وكانت القضية الفلسطينية سبباً مباشراً فى نشأة الجامعة العربية، ثم كانت حرب الجيوش العربية ضد العصابات الصهيونية فى عام 1948 وهى الحرب التى أسفرت عن هزيمة العرب، وإقامة دولة فلسطين.

عملياً انفضاض العلاقة بين الجامعة العربية والقضية الفلسطينية يعد إعلاناً رسمياً عن انتهاء دور الجامعة. فما معنى وجودها بعد أن خلع أغلب العرب أيديهم من القضية، وأصبحت علاقتهم بإسرائيل تتقدم فى أهميتها على القضية وأصحابها؟ فى هذا السياق نستطيع أن نفهم الخطوة الفلسطينية.

إنها خطوة رمزية بالأساس أرادت السلطة الفلسطينية من خلالها أن تبعث برسالة إلى صانع القرار العربى مفادها «ضررك أصبح أكبر من نفعك.. بعد أن غيرت قبلتك ووجهت وجهك شطر تل أبيب». قد يقول قائل إن الجامعة لم يعد لها -منذ زمن- دور حقيقى يتجاوز «المبنى» الذى تقبع فيه إلى المعنى. هذا الكلام صحيح بالطبع، لكن يبقى للخطوة رمزيتها ومعناها ودلالتها.

الخطوة التى اتخذتها السلطة الفلسطينية تعنى أن الفلسطينيين قرروا ترك فلسفة إمساك العصا من المنتصف وهم يتعاملون مع محنتهم الحالية، فإذا كان الطرف الإسرائيلى ينهب الأرض ويفرض إرادته بالقوة بلا خجل، والطرف العربى لا يوارب الباب وهو يقيم علاقاته مع إسرائيل، فلا أقل من أن يقرر الفلسطينيون إمساك العصا من أحد أطرافها حتى يتمكنوا من امتلاكها واستخدامها بصورة مختلفة.

الحكمة تقول: «من يقف فى منتصف الطريق تدهسه العربات». منذ توقيع اتفاق أوسلو 1993 والفلسطينيون يقفون فى منتصف الطريق مع العرب ومع الغرب ومع صناع القرار فى إسرائيل.. يوم 13 من سبتمبر الجارى أتمت اتفاقية أوسلو (27 عاماً) من عمرها.. فماذا جنى الفلسطينيون منها غير الدهس؟!

خطوة التخلى عن رئاسة الجامعة العربية التى اتخذتها السلطة الفلسطينية قد تعقبها خطوات أخرى بعيدة الأثر، بشرط أن تتوحد الإرادة الفلسطينية، وتترك الفصائل مربع الشقاق، ويفكر صانع القرار الفلسطينى بصورة أكثر عملية، بعيداً عن الشعارات الجوفاء، وكذلك بعيداً عن المصالح الصغيرة.

ليس هناك خلاف على أن طريق السلام هو الطريق الأفضل بشرط أن يأخذ صاحب الحق حقه، طبقاً للمقررات الدولية. أما السلام الذى يرتكز على فرض الواقع بالقوة، وعقد الاتفاقات فى الغرف المظلمة، فلا يحقق شيئاً على الأرض، بل يعقِّد المشكلات أكثر وأكثر.

لا تستطيع قوة مهما كانت معطياتها أن تفرض ما تريد على من تريد. وأى قوة تحاول اختبار نفسها مصيرها إلى السقوط والفشل. كما أنه من العبث أن نستخف بعدم قدرة طرف معين على الفعل بسبب ضعفه أمام قوة باطشة. فاقتران الضعف باليأس قد يصنع الأعاجيب.

 

التعليقات