مركب الإعلام

كون أصوات الناس وما يثار فى المقاهى وما يدور فيما بينهم لا ينعكس فى الإعلام لا يعنى أنه لا يحدث. وكون الإعلام دخل طورًا غير مفهوم أو معلوم ومستمرًا فى تقديم محتوى لا طابع أو طعم أو ميزة له لا يعنى أن الناس بالضرورة راضية أو قانعة أو هاضمة لما يقدم. وكون التغيير الحادث، أو الجارى حدوثه، أو الذى سيحدث غير واضح المعالم أو الأبعاد أو الأعراض لا يعنى أن الناس لا تستشعر شعورًا بعدم الراحة.

الشعور بعدم الراحة يتحدث عنه كثيرون بطرق تتفاوت بتفاوت درجات التعليم والتثقيف، لكنها تتقارب وتتشابه إلى حد التطابق حين يعبر الناس عن عدم الرضا أو عدم الاقتناع بما يقدم لهم، لاسيما عبر شاشات التليفزيون. هذه الشاشات مازالت- رغم غزو شبكات التواصل الاجتماعى وسطوة القيل والقال على فيسبوك وتويتر وغيرهما- المصدر الأسهل والأبرز والأهم لإمداد الناس بالأخبار والتحليلات وصناعة الرأى العام لما فيه المصلحة العامة.

والمصلحة العامة تحتم طرح أسئلة حول وضع الإعلام الحالى المبهم. وطرح الأسئلة ليس خيانة، أو استهانة، أو سوء تقدير، أو عدم إلمام بأولويات الوطن. بل العكس هو الصحيح. وأن نسأل عن أوضاعنا، وننتقدها، ونطالب بتحسينها أفضل ألف مرة من أن يسأل غيرنا أسئلة تٌتخم بالإيحاءات السياسية وتٌعبأ بالإسقاطات الحقوقية وتؤجج بالتلسينات الساخرة.

والسخرية مما يقدم على شاشاتنا من وجبات يومية، بعضها مشبع ومغذٍ والبعض الآخر لا يسمن ولا يغنى من جوع بل «ويجيب لنا الكلام والتلسينات والانتقادات. وقد أحزننى الفيديو القصير الذى صورته وبثته على صفحتها على «فيسبوك» مذيعة ذكية ومتميزة ومهنية صنعت وزملاؤها نجاحًا يشهد الجميع له فى إحدى القنوات الخاصة التى تغير جلدها وانقلب هيكلها لتتحول إلى مسخ مبهر. حمل الفيديو ردًا مفعمًا بالأسى والغضب المكتوم على اتهامات وجهها أحد «الإعلاميين» (الذين يحظون بنسبة مشاهدة عالية بغرض الترفيه) لآخرين معتبرًا إياهم مفتقدين للمهنية. والحقيقة أن افتقاد المهنية لم يقف عائقًا أمام وصول كثيرين للنجومية. ولنا فى السنوات السبع الأخيرة عبرة. فبين متخصصين فى الهبد والرزع دون محتوى، وخبراء فى الشحتفة والنهنهة دون غاية، وأساتذة فى الادعاء وشغل البهلوانات دون معرفة بألف باء الإعلام، صعد كثيرون إلى قمة هرم معدلات المشاهدة. من منا لم يتابع هذا المذيع ليضحك ويتندر؟! ومن منا لم يتابع هذه المذيعة ليضرب كفًا بكف سائلاً عما جرى لنا وبنا؟! ومن منا لم تساوره شكوك ترقى إلى درجة اليقين بأن جانبًا مما يقدم بصفة عامة تمثيليات تهدف إلى جذب المعلنين أو تحقيق طفرة على متن «يوتيوب» أو توجيه الرأى العام صوب زاوية دون غيرها؟

غير أن استمرار ضرب الأخماس فى الأسداس من شأنه أن يلحق الضرر بالجميع. ما الذى يجرى فى إعلام المصريين؟ وما هى الرؤية المتوقعة والغاية المنتظرة حيث إن الجميع: دولة وإعلام ورجال أعمال وناس فى مركب واحد؟!

التعليقات