التعليم يقود التغيير.. فلا تغفلوا عنه!

احتفل العالم الأسبوع الماضى باليوم الدولى للتعليم اعترافا بدوره فى تسريع وتيرة التقدم نحو تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة، وكان شعار هذا العام الدعوة إلى الحفاظ على تعبئة سياسية قوية حول التعليم كأولوية فى أهداف التنمية ورسم الطريق لترجمة الالتزامات والمبادرات العالمية إلى أفعال. العالم مازال يتحدث كثيرًا بل يثرثرُ لكنْ دون عملٍ حقيقى يفيدُ الناسَ ويقلل معاناتهم وأوجاعهم. ولاشكَّ أن الاهتمام بالتعليم على رأس الأولويات عندما يتعلق الأمرَ بإيجاد حلولٍ مستدامة تقلل تلك المعاناة وتعالج المواجعَ. لذلك لا يمكن إغفال التعليم مهما كان حجم المشكلات. 
 
وباعتبار أن التعليم يقود التغيير الاجتماعى والسياسى والاقتصادي، فإن الأمل يظلُّ معلقا على الخطط المتعلقة بإصلاح التعليم. هذا الأمر ينطبقُ على مصر كما ينطبقُ على العديد من الدول العربية، خاصة فى ضوء "كابوس" الدروس الخصوصية المستشرى الذى يعود بقوة، وهذا أمر منعكس على مشكلات العائلات ومن قراءة بعض العناوين التى تبرزها الصحف والمواقع. تقنين أوضاع "السناتر" قد يكون أحد المؤشرات أيضا، بعد أن كانت فى طريقها إلى الإغلاق المُحكم. أمًا الامتحانات وبعد محاولات لتبنى نماذج تبتعد عن الحفظ وتقترب من مفهوم الذكاء وإعمال العقل، ها أن مُكوّنَ الحفظ يستعيد تأثيره فى المجموع النهائى للطالب. ولا يخفى الترحيب للعودة تدريجيًا إلى النظام القديم فى "جروبات الماميز". ويبدو الأمر كأنه استسلام لضغط الأهالى وأولياء الأمور؛ لكن منذ متى يقرر الناس ماهو الأنسب من مناهج علمية ومقررات دراسية بينما القرارَ يتطلب التخصّصُ فى هذا الأمر، وهو تخصُّصٌ أصيل للخبراء فى علوم المناهج الدراسية. لكنها قصص متكررة عبر عصور؛ الناس يرون مصلحتهم تنحصر فى "دفع المال" واستلام شهادة بقطع النظر عن قيمتها، وعما إذا كان أبناؤهم اكتسبوا علمًا أو مهارات؛ غير أن التعليم لا يجوز أن يكون على قياس فئة أو أخرى بل إنه يتحمل مسئولية تخريج دفعات مرتبطة بسوق العمل وبما يدور فى العالم من تطورخاصة فى العلوم. إنها مسؤولية بناء الإنسان والتأسيس للمستقبل القادر على النهوض بالفرد وبالوطن ككل.
 
كانت لى فرصة زيارة الصين فى التسعينيات وقضيت فيها حوالى شهر يعود الفضل فيها لحصولى على منحة من إدارة الإعلام فى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. فوجئت بمستوى جودة التعليم وهى تبدأ من الحضانة وحتى الجامعة؛ زرت عدة مدارس وجامعات، ورأيت اهتمامًا فائقًا بكافة المراحل. تنفق الصين 17% من دخلها على التعليم (الصين ثانى أكبر اقتصاد فى العالم).. نفس هذا النهج سارت فيه ألمانيا واليابان فى الستينيات قبل أن تتبناه الصين فى السبعينيات، وهو نفس النهج الذى طبقته بعد ذلك النمورالآسيوية فى الثمانينيات ومن بعدها، فى التسعينيات، حذت حذوها كلٌّ من البرازيل والهند وماليزيا. وكل هذه الدول نهضت فى أقل من عشر سنوات بفضل إصلاح التعليم لأنه مفتاح أى نجاح وتقدم. 
 
رجعت إلى التاريخ وتفحصت وزارات التربية والتعليم منذ 28 أغسطس 1878 مع وزارة على مبارك باشا وحتى وزارة رضا حجازى الحالية. 75 وزارة ووزيرًا بالتمام والكمال خلال 135 عامًا. استغرقت دراستى أكثر من شهرين فى تلك الفترات المختلفة وخرجت بعدة ملاحظات، ملخصها أن التربية والتعليم لم تحظ خلال هذه الفترات الطويلة باستقرار أو استدامة بل كانت أكثر القطاعات اضطرابًا على مستوى الوزراء والقيادات العليا، قديمًا وحديثًا لا اختلاف، لدرجةٍ أن 48 وزيرًا تراوحت مدة عملهم بين يوم واحد وأقل من عام. وهذا يعنى أنّ حوالى 74% من وزراء التربية والتعليم فى مصر  قضوا أقل من عام فى منصبهم وتم تغييرهم بعد ذلك. ولنا أن نتخيل حالة التخبط التى تعيشها الوزارة والسياسات المعنية بها حال تغير الوزير ومعاونيه. وهناك 16 وزيرا مكثوا أقل من ثلاثة أشهر ويمثلون نحو 21.3% من إجمالى الوزراء؛ بما فى ذلك وزراء مكثوا عدة أيام فقط. أما الوزراء الذين مكثوا فى المنصب بين سنة وسنتين فيبلغ عددهم 15 وزيرًا أى بنسبة 20% تقريبًا.مدة عمر الوزير فى وزارة التربية والتعليم منذ كان اسمها المعارف هى الأقصرُ عُمرًا بين جميع الوزارات الأخرى!
 
وهناك أسماء عملاقة من حيث الكفاءة والعلم والفكر التجديدى آنذاك المنادى بمجانية التعليم، مثل الدكتور طه حسين، الذى عينته حكومة الوفد فى 12 يناير من عام 1950 وزيرًا للمعارف. المفارقة أنه لم يمكث إلا سنتين و15 يومًا، وانتهت مهمته مع سقوط حكومة مصطفى النحاس وقيام ثورة يوليو، ولم يُستدع من جديد مع الثورة رغم أفكاره المتماشية معها، تبعه محمد عبد الخالق حسونة لمدة شهر واحد و3 أيام، وتلاه أيضًا أحمد رفعت لمدة أربعة أشهر ويومًا واحدًا. ثم تمَّ تعيين محمد سامى مازن ولم يستمر إلا عشرين يومًا، ثم جاء محمد رفعت ومكث يومًا واحدًا وتلاه سعد اللبّان لمدة شهرٍ ونصف فقط لا غير. وظلت وزارات التعليم تتغير على هذا النسق السريع طيلة فترة عبد الناصر، مع استثناءات قليلة مثل كمال الدين حسين الذى تجاوز السنوات الأربعة، حتى جاءت حرب أكتوبر. وسارت وزارة التعليم على نسق مماثل طيلة حكم الرئيس السادات وكانت أطول وزارة لمصطفى كمال حلمى التى امتدت لأربع سنوات ونصف. وعاد مرة أخرى ليمكث مدة أربع سنوات أخرى و11 شهرًا و17 يومًا فى وزارة حسنى مبارك فى السادس من أكتوبر 1981 ثم وزارة فؤاد محى الدين الأولى والثانية أى حتى 5 يونيو 1984. 
 
ومن الملاحظ أن وزراء التربية والتعليم خلال فترة حكم الرئيس حسنى مبارك كانت مدد عملهم أطول مقارنة بالفترات التى سبقتهم جميعها. ونذكر الدكتور أحمد فتحى سرور الذى مكث مدة 6 سنواتٍ و11 شهرًا و3 أيامٍ فى حكومة عاطف صدقى الأولى والثانية والثالثة بين 11 نوفمبر 1986 وحتى 2 يناير 1996. كما كان حسين كامل بهاء الدين وزيرًا "مُعمّرًا" للتعليم حيث مكث مدة 10 سنواتٍ و8 أشهرٍ و25 يومًا منذ وزارة كمال الجنزورى فى 4 يناير 1996 وحتى انتهاء وزارة عاطف عبيد فى 9 يوليو 2004. ثم عُيّن أحمد جمال الدين موسى فى وزارة أحمد نظيف الأولى واستمر فترة قصيرة لا تتجاوز مدّتُها سنةً واحدةً و5 أشهرٍ و10 أيامٍ. لكنّ يسرى الجمل الذى خلفه فى وزارة نظيف الثانية كان أكثر حظًا حيث استمرَّ 4 سنواتٍ و15 يومًا. واستعراض تلك الأسماء والمدد التى استغرقوها فى وزارة التربية والتعليم يعكس أن هذه الوزارة سمتها خلال العصور المتعاقبة عدم الاستدامة بتغير الوزراء والمسئولين وتغير السياسات التعليمية معهم، نستثنى منهم وزراء فترة مبارك الذين أطالوا البقاء مقارنة بغيرهم لا لشيء إلا لأن الرئيس مبارك كان بطيئا فى التغيير!.
 
وقد لا نتوقف كثيرًا عند تغيير الوزراء أو استمرارهم لو كانت السياسات ممتدة وتسير فى الطريق التى تحقق أهداف الدولة بالنهوض بالتعليم ومساهمته الجذرية فى مسيرة التنمية. فالمهم أن يتحقق إصلاح التعليم لأنه مفتاح أى نجاح وتطور حديث. لا توجد طريق ثانية لنهوض الأمم سوى التعليم!.
 
مقال ألفة السلامي
البوابة نيوز
 
 
التعليقات