فلسطين.. الطريق إلى دولة مستقلة (١-٢)

لا شك أن ما يحدث على الأراضي الفلسطينية المحتلة فاق الاحتمال وفاق الصبر، وللمرة التي لا حصر لها تعمل الآلة العسكرية الإسرائيلية دون رادع حتى شهد مخيم جنين للاجئين بالضفة الغربية المحتلة أعنف عملية عسكرية إسرائيلية خلال أشهر، وهي العملية التي وصفتها القيادة الفلسطينية والشعوب العربية وشعوب العالم بالمجزرة ولا جديد في هذا الوصف الذي صار اعتياديًا، في ظل صمت مريب ومهادن وربما فاعل من المجتمع الدولي أمام ما يتم من قتل وتهجير وانتهاكات واستفزازات مستمرة، حتى صار العام الماضي 2022 من أكثر الأعوام دموية في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الذي يتجاسر فيه جانب واحد على جميع القيم الإنسانية غير مبالٍ لأي اعتبارات، واثقًا من هذه المساندة الأمريكية الممتدة حاصلاً على هذا الضوء الأخضر على طول الخط منذ وطئت أقدام الشر الخبيث الأراضي الفلسطينية دون وجه حق.
 
إنها - دون مجال لأي مواربة - حرب شاملة ضد المجتمع الفلسطيني، من أعتى القوى العسكرية في العالم، والتي تعمل وفق خطة للتضييق على الشعب الفلسطيني، واستنزاف حياته بشكل شبه دائم، ومن عجب العجاب أن يُعامل أبناء الشعب الفلسطيني الذين يدرءون ويدفعون عن أنفسهم الشر ويدافعون عن بيوتهم وأهلهم وأطفالهم وأنفسهم كأنهم جيش مقابل، في قراءة سخيفة لواقع مفزع، وتطلب منهم التهدئة في ظل التصعيد المستمر من جانب الكيان المحتل، ونرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال مؤتمر صحفي مع نتنياهو يعرب عن تأييده الكامل للإجراءات الإسرائيلية، ودعم أمن إسرائيل في مواجهة ما أسماه بالإرهاب، ولا غرابة في ذلك وأمريكا هي الأم الحنون بالنسبة لإسرائيل وهي التي أجهضت ولا تزال جميع مشاريع قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، ولم تطرح إدارة الرئيس الأمريكي بايدن منذ توليه الرئاسة إلى الآن أي مشروع سياسي يتعلق بالقضية الفلسطينية، لكن جميعها مسكنات لم تعد تنطلي على أحد.
 
ونلاحظ أن هذا التصعيد وتلك الحرب الشاملة الأخيرة بدأت بوادرها قبل تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة نهاية ديسمبر الماضي؛ وهي الحكومة اليمينية المتشددة، بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي فاز ائتلافه المتشدد بأغلبية مقاعد الكنيست الإسرائيلي، ومن تتزايد التوقعات بتدهور الأوضاع وزيادة الممارسات الإسرائيلية، في ظل رفض هذا الائتلاف القائم على تحالف حزب الليكود مع عدد من الأحزاب اليمينية المتطرفة الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة أو حتى الإقرار بعملية السلام، حتى جاء اقتحام جيش الاحتلال في يناير 2023، لمدينة جنين ومخيمها شمالي الضفة الغربية، ليوافق هذه التوجهات المتطرفة للحكومة الجديدة على أرض الواقع، فنتج عن ذلك استشهاد 9 أشخاص وسقوط عشرات الضحايا، ومن الواضح أن الجانب الإسرائيلي لا يريد أن يقدم أي تنازلات حتى في ظل الجهود العربية، وأبرزها الجهود المصرية التي عملت على دعم السلطة الفلسطينية والإبقاء على شرعيتها، وتوجيه الجهود الإقليمية لبدء المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، وتدشين رباعية دولية للوصول إلى حل الدولتين، فضلًا عن دعوة مصر في جميع المحافل الدولية للتكاتف من أجل حل القضية الفلسطينية، وهذا كله مع اليقين الراسخ لدى أبناء فلسطين وشعبها بكامل حقوقهم، وأنهم من أصغر طفلٍ لأكبر شيوخهم وحتى نسائهم في حالة دفاع عن النفس، وهي المسألة التي يجب أن تعيها إسرائيل جيدًا وتعيها أمريكا والمجتمع الدولي، وتجنبًا لعدم اشتعال المنطقة والجميع يعرف إحساس الشعوب العربية تجاه القضية الفلسطينية، فلابد من مواجهة أجندة الحكومة الإسرائيلية الجديدة وإجراءاتها، والاعتراف الفوري بدولة فلسطين، ووضع حد لانتهاكات إسرائيل للقانون الدولي وحقوق الإنسان بحق أبناء فلسطين.
 
مقال/ د.خالد قنديل
الأهرام
 
التعليقات