ذكرى انتصار العاشر من رمضان.. ملحمة بطولية لرجال الجيش المصري ودور كبير لرجال الشرطة

ساعات قليلة تفصلنا عن ذكرى العاشر من رمضان «نصر أكتوبر»، التي حقق فيها الجيش المصري، النصر على العدو الإسرائيلي، واستطاع عبور خط بارليف المنيع، بعزيمة وإصرار وإيمان بالله، وتمكنت القوات المسلحة المصرية، من تدمير دفاعات العدو الحصينة، واستعادة الأرض ورفع العلم المصري على أرضنا الغالية.

وكان لرجال الشرطة، دور كبير وبارز خلال حرب أكتوبر، في حماية الجبهة الداخلية للوطن، والحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد.

وفى كتابه «البحث عن الذات» أشاد الرئيس الراحل السادات بدور وزارة الداخلية وقوات الأمن المركزي خلال حرب اكتوبر 1973 «عندما حاول الإسرائيليون الاستيلاء على مدينة الاسماعيلية لم يستطيعوا الوصول حتى الى مشارفها.

وكلفت ممدوح سالم وكان في ذلك الوقت مسئولا عن المجلس الأعلى للدفاع الشعبي، فأرسل 1000 فرد من قوات الأمن المركزي وهم مدربون على مستوى عال بأسلحتهم وعتادهم، وكانوا على أتم استعداد ومعهم الجيش والأهالي لاستقبال الاسرائيليين».

ويقول المؤرخ العسكري لواء جمال حماد في كتابه المعارك الحربية على الجبهة المصرية عما قامت به الشرطة المصرية من اعمال ومهام اعتبرها امتدادا للدور الوطني لجهاز الشرطة في حقب تاريخية مختلفة.

في مايو 1971 كلف الرئيس الراحل أنور السادات ممدوح سالم مسئولية وزارة الداخلية في أثناء تصفية مراكز القوى التي كانت تستهدف الانقلاب على الرئيس السادات وكان أول ما فعله ممدوح سالم في ذلك الوقت هو وضع خطة تأمين للجبهة الداخلية لخوض حرب العبور.

وبدأت بالفعل التدريبات القتالية لسرايا الأمن المركزي اعتبارا من مايو 1973 م وشمل التدريب عمليات الكمين والإغارة وتمييز طائرات العدو ومقاومة الهابطين بالمظلات والدوريات الجبلية والصحراوية وشارك في عملية التدريب بقطاع ناصر للأمن المركزي ضباط التدريب بمركز تدريب الضباط ( النقباء / أحمد رفعت ــ وأحمد عزب ــ ومحسن العبودي وأحمد جاد ) وقبل الحرب بأربعة أيام عقد ممدوح سالم اجتماعا بالمسئولين عن قطاعات الدولة ومديريات الأمن والأمن المركزي والأجهزة الأمنية المختلفة لوضع خطط ثابتة لتأمين البلاد إذا اندلعت الحرب وكان ممدوح سالم في مكتبه (بلاظوغلي) بمبنى وزارة الداخلية على اتصال دائم بالرئيس السادات ، ولم يغادر الوزير مبنى الوزارة إلا للاجتماعات المهمة مع قيادات الدولة وعلى الفور اتخذت جميع الأجهزة الأمنية دورها بعد أن تم رفع درجة الاستعداد من اجل تأمين المنشآت المهمة والمرافق الحيوية في الدولة.

وكانت الخطط الأمنية الموضوعة تعطى اهتمامًا بالعناصر الشرطية والمواقع الأمنية في مدن القناة ( السويس والإسماعيلية وبورسعيد ) المجاورة لمنطقة سيناء والتي كان معظمها مهجرا في ذلك الوقت وكان وزير الداخلية ممدوح سالم على اتصال بمديري الأمن بالمحافظات التي تتعرض للمعارك مؤكدا لهم أنه لابد لعناصر الشرطة من الالتحام فيها لإتمام النصر ومشاركة المقاومة الشعبية التي تؤازر قواتنا المسلحة.

خلال ليلة 15/16 أكتوبر نجح العدو في العبور الى الغرب وتقدمت الفرقة المدرعة بقيادة الجنرال ابراهام أدان يوم 19 أكتوبر في اتجاه السويس على محور طريق المعاهدة وجدت المدينة نفسها فجأة على خط المواجهة الأمامي مع العدو دون سابق اعداد أو انذار وواجه جهاز الشرطة الذى كان يرأسه اللواء محيى خفاجي مدير الأمن موقفا لم يسبق أن واجهه أي جهاز للشرطة في مصر من قبل ويكفى أن المدينة التي كان تعدادها منذ بداية حرب الاستنزاف عام 68 لا يتجاوز خمسة آلاف فرد كان معظمهم من الجهاز الحكومي ورجال الشرطة والدفاع المدني وموظفي وعمال شركات البترول والسماد بالزيتية زاد عدد سكانها في خلال ثلاثة أيام فقط بعد الزحف الإسرائيلي في اتجاه الجنوب حتى بلغ أكثر من عشرين ألف فرد وحدثت هذه الزيادة المفاجئة بسبب لجوء آلاف حاشدة الى المدينة كان معظمهم من العسكريين من المؤخرات الادارية وكذا من المدنيين من مواطني القطاع الريفي ، في محافظتي الاسماعيلية والسويس.

واضطر هؤلاء الى دخول السويس بعد أن أغلقت القوات الاسرائيلية رغم سريان قرار وقف اطلاق النار جميع الطرق المؤدية إلى الشمال والغرب والجنوب وقد سبب وصول هذه المجموعات الضخمة من المواطنين الى داخل السويس فجأة ارتباكا للمسئولين بالمدينة وخصوصا رجال الشرطة فقد وجدوا أنفسهم مطالبين بإيجاد أماكن ايواء خالية لهؤلاء الوافدين مع حرصهم الشديد في نفس الوقت على ألا تقتحم أي جماعة منهم بدافع الضرورة مساكن أو متاجر سكان السويس الغائبين الذين تم تهجيرهم الى مدن أخرى خارجها عام 1968 م ورغم هذه المهمة الشاقة تمكن جهاز المحافظة بالتعاون مع رجال الشرطة من تدبير اقامة هؤلاء الوافدين في المساكن الخالية ومن توفير وسائل اعاشتهم رغم ندرة الموارد والمؤن وعندما علم المسئولون بالسويس مساء يوم 23 أكتوبر أن الدبابات الاسرائيلية وصلت الى منطقة شركات البترول بالزيتية بعد أن مرت على السويس من الخارج وأنها في طريقها الى ميناء الأدبية أخذوا يستعدون لتلقى الهجوم الإسرائيلي الذى قدروا أنه سوف يبدأ حتما في اليوم التالي .

وأصدر مدير الأمن تعليماته بالتأهب والاستعداد الى جميع أقسام الشرطة ووحداتها وأصبحت غرفة عمليات الدفاع المدني بميدان الأربعين التي كان يتولى ادارتها المقدم فتحي غنيم مقرا لقيادة الدفاع الشعبي وتأهبت أجهزة الاطفاء والانقاذ لأداء واجباتها خلال الغارات الجوية وعندما اكتشف مدير الأمن ان المتطوعين للدفاع عن المدينة في حاجة الى السلاح أمر بفتح جميع مخازن الشرطة وأن تسلم الأسلحة والذخائر للقادرين على حملها واستخدامها.

وعلى أثر نجاح العدو يوم 23 أكتوبر في قطع الاتصالات السلكية في القاهرة، أصبحت الشبكة اللاسلكية الخاصة بشرطة النجدة هى حلقة الاتصال الوحيدة بين السويس والقاهرة. وكان الرائد رفعت شتا يتولى هذه الوحدة اللاسلكية ويعاونه الملازم أول عبد الرحمن غنيمة وتحت قيادته 18 ضابط صف وجنديا.

وعندما وصل المحافظ في الصباح وبرفقته مدير الأمن الى غرفة الدفاع المدني تلقى انذارا من ضابط إسرائيلي تحدث اليه عن طريق الهاتف من شركة قناة السويس لتصنيع البترول. وكان الانذار يطالب المحافظ بتسليم المدينة في خلال نصف ساعة وأن عليه الحضور هو ومدير الأمن والقائد العسكري للسويس في سيارة عليها علم ابيض وبصحبتهم جميع المدنيين في المدينة الى الاستاد الرياضي واذا لم يتم ذلك في خلال نصف ساعة فسوف تضرب المدينة بالطيران ويتعرض كل سكانها للإبادة واتصل المحافظ هاتفيا بالرائد شرطة رفعت شتا قائد الوحدات اللاسلكية وطلب منه ابلاغ المسئولين في القاهرة بالإنذار الإسرائيلي الذى تلقاه لتسليم المدينة.

وقام الرائد شتا فى الحال بابلاغ الرسالة الى العميد محمد النبوى اسماعيل مدير مكتب ممدوح سالم رئيس الوزراء ووزير الداخلية وبعد مرور 20 نحو دقيقة تلقى الرائد شتا رد القاهرة وكان نصه كما يلى: لا تسليم .. بمعرفة المحافظ يتم الدفاع عن السويس وعلى المحافظ ومدير الأمن الانضمام الى المقاومة الشعبية.

فى خلال حرب أكتوبر المجيدة عام 73 أسندت الى جهاز الأمن المركزى مسئولية كبرى وهى حماية مؤخرة القوات المسلحة وتأمين خطوطها الخلفية ضد أى عمليات للتسلل أو التخريب من جانب العدو وقد قامت قوات الأمن المركزى بأداء المهام الجسيمة التى أوكلت اليها بكفاءة بالغة ووطنية صادقة وقد تم تكليف الأمن المركزي.

وتم تشكيل مجموعة كبيرة من الأمن المركزى بقيادة العقيد لطفى عبد الفتاح عطية بهدف تأمين منطقتى الاسماعيلية وبورسعيد وكان اجمالى القوة 34 ضابطا و1196 من ضباط الصف والجنود. وقد أرسلت فور قيام القوات الاسرائيلية بالعبور من ثغرة الاختراق بالدفرسوار إلى الضفة الغربية للقناة ليلة 15/16 أكتوبر وتم تخصيص المهام المسندة اليها بالتنسيق بين قائدها واللواء أ. ح عبدالمنعم خليل قائد الجيش الثانى ونظرا لخطورة المناطق التى تقرر أن تتمركز فيها هذه القوات بالنسبة لقربها الشديد من ساحات المعارك غرب القناة فقد روعى تقوية تسليحها لاحتمال تعاملها مع قوات العدو ودباباته وهكذا تم تزويد أفرادها علاوة على البنادق الآلية بعدد من الهاونات 60 مم والرشاشات الخفيفة والبنادق ذات الوصلات المضادة للدبابات، والقنابل اليدوية وزجاجات المولوتوف والقنابل المضادة للدبابات، (وتم تدريب ضباط الأمن المركزى الموجودين مع تشكيلاتهم فى بورسعيد والإسماعيلية على كيفية التعامل مع دبابات العدو بالقنابل طراز حسام وذلك بمعرفة ضباط من القوات المسلحة بالتنسيق مع الجيش الثانى الميدانى.

وصدرت الأوامر لقوات الامن المركزى بأعمال حراسة وتأمين طريق الاسماعيلية - القاهرة الزراعى الممتد شمال ترعة وتأمين المنشآت والأهداف الحيوية فى مدينتى الاسماعيلية والقنطرة غرب ومنطقة أبو خليفة ومنطقتى الكاب والتينة ومدينة بورسعيد .وكذلك تأمين الطرق الفرعية المؤدية الى طريق القاهرة الاسماعيلية الزراعى والقرى الواقعة فى الاراضى الزراعية .

التعليقات