نجوم تركوا الميري وأضاءوا شاشة السينما
البدلة الميري، هي الالتزام، الانضباط، وأحيانا الجمود»، تلخص هذه الكلمات الصورة النمطية للضباط في أذهاننا، فأغلبنا يعتقد أن الطبيعة العسكرية سلبت منهم كل ما له علاقة بالفنون والإبداع، لكن على مدار العقود الماضية، غزا المجال الفني عدد من العسكريين الذين لم يبهروا العالم بموهبتهم وحسب، بل أسهموا في تأسيس النهضة الثقافية والفنية في مصر، ليثبتوا أن تخليهم عن عسكريتهم لم يكن من قبيل الصدفة أو الهروب من المسؤولية، بل كان قرارا خدموا به أمة كاملة لكن بطريقتهم الخاصة.
ولا يمكن أن نتحدث عن الوجه الآخر لبعض العسكريين الذي لا يعرفه الكثيرون دون ذكر ما حدث بين الرئيس جمال عبدالناصر والعميد أحمد مظهر، حين واجه أثناء تصوير فيلم «رد قلبي» صعوبة في الحصول على إجازات من السلاح في الجيش، فذهب إلى صديقه الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، للوصول إلى حل، فأقنعه «عبد الناصر» بالتفرغ للتمثيل، وقال له: «أنت تستطيع خدمة وطنك كفنان كما يخدمها ضابط الجيش، وهنا قرر «مظهر» التقاعد برتبة عميد جيش، وقال مازحا: «ذهبت لناصر لأحصل على تصريح فأقنعني بالتسريح».
أحمد مظهر
حافظ مظهر.. أو من اشتهر فنيا بأحمد مظهر، من مواليد 18 أكتوبر 1917 في حي العباسية بالقاهرة، تخرج من الكلية الحربية ضابطًا بسلاح المشاة عام 1938، وكان ضمن دفعته كل من جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وعبد الحكيم عامر، وزكريا محي الدين، والبغدادي، والشافعي، ونخبة من تنظيم «الضباط الأحرار»، الذي انضم إليهم عقب عودته من مشاركته مع الجيش المصري بحرب فلسطين 1948، وبعدها انضم لسلاح الفرسان وتدرج إلى أن تولى قيادة سلاح الفروسية.
وكان «مظهر» ضمن «الضباط الأحرار»، وبعض اجتماعاتهم كانت تعقد بمنزله في الحلمية، لكنه لم يشارك في ثورة يوليو 1952، وكان وقتها يمثل مصر في مسابقات الفروسية بدورة الألعاب الاوليمبية بفنلندا، وعندما عاد «مظهر» بعد الثورة، أسند إليه صديقه في سلاح المشاة سابقا، عبد الناصر، قيادة مدرسة الفروسية.
وبداية «مظهر» الفنية جاءت من خلال ترشيح زكي طليمات، أحد رواد المسرح، ليؤدي دور صغير في مسرحية «الوطن» عام 1948 قبل ذهابه للحرب، وبعد عودته تلاشى لديه حلم التمثيل، وقرر الانضمام لـ«سلاح الفرسان»، إلا أن صديقه السابق بالجيش، المخرج عز الدين إبراهيم، كان يحضر لفيلم «ظهور الإسلام» عام 1951 عن قصة طه حسين، ولجأ لوزارة الحربية وطلب منها أن تمده بـ100 فارس بخيولهم، و300 من أفراد المشاة، وتصادف أن «مظهر» كان ضمن الـ100 فارس التي رشحتهم الشؤون المعنوية، ولكن لبراعة وموهبة «مظهر» أسند له دور «أبو جهل»، وهو من الأدوار الرئيسية في الفيلم.
يوسف السباعي
في أحد البيوت المتواضعة بحارة الروم بالدرب الأحمر، أحد أحياء القاهرة الشعبية، ولد يوسف محمد محمد عبد الوهاب السباعي، في 10 يونيو 1917، والده هو الأديب محمد السباعي، الذي كان من رواد النهضة الأدبية الحديثة في مصر، وظهرت موهبته الأدبية في مرحلة مبكرة من حياته تشبها بوالده، لكنه تخرج في الكلية الحربية عام 1937 ضابطا بسلاح الفرسان، وعاد للكلية الحربية عام 1942 مدرسا لمادة التاريخ العسكري، وتولى العديد من المناصب منها تعيينه في 1952 مديرا للمتحف الحربي.
وأثناء الخدمة العسكرية، حصل «السباعي» على دبلوم معهد الصحافة من جامعة القاهرة، وبعد وصوله لرتبة عميد وتقاعده عن الخدمة العسكرية، شغل عدة مناصب، أهمها منصب سكرتير عام المحكمة العليا للفنون عام 1959، والسكرتير العام لمؤتمر الوحدة الآفرواسيوية، وانتخب سكرتيرا عاما لمؤتمر شعوب آسيا وإفريقيا عام 1966، وفي العام نفسه عين عضوا متفرغا بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بدرجة وزير.
وصدرت العديد من المجلات تحت إشراف «السباعي» مثل «الأدباء العرب»، و«الرسالة الجديدة»، و«القصة»، وفي 1965 تولى منصب رئيس تحرير مجلة «آخر ساعة»، ورئيس مجلس إدارة «دار الهلال» عام 1971، كان وراء إنشاء المجلس الأعلى للفنون والآداب، «المجلس الأعلى للثقافة» حاليا، كما انتخب رئيسا فخريا لجمعية كتاب ونقاد السينما منذ بدء إنشائها.
عز الدين ذو الفقار
ولد عز الدين ذو الفقار في حي العباسية بالقاهرة في 28 أكتوبر 1919، وهو الشقيق الأوسط للفنانين محمود ذو الفقار، وصلاح ذو الفقار، مارس في صباه رياضة المصارعة، وشارك في أكثر من معركة بالأيدي ضد جنود الاحتلال، وقاد أكثر من مظاهرة ضدهم.
التحق «ذو الفقار» بالكلية الحربية، وفي 1940 وصل إلى رتبة اليوزباشي «نقيب» في سلاح المدفعية، وارتبط بثورة يوليو ورجال الثورة، رغم أنه لم يكن لم من بينهم، لأنه استقال من الجيش في منتصف الأربعينيات لكنه كان قريبا منهم يعرفهم بحكم رفقة السلاح الأولى.
وحين توفي والده أصيب بحالة نفسية دفعته إلى اعتزال الناس، ونصحه الأطباء بوجوب تغيير كل شيء في حياته، بما في ذلك السكن، والعمل الذي يزاوله، وبينما هو في دوامة التفكير في العمل الذي يمكن القيام وهو ضابط في الجيش، التقى «ذو الفقار» بالمخرج محمد عبد الواحد، الذي استطاع أن يقنعه بالعمل معه كمساعد مخرج، فاستقال من الجيش عام 1945، وبدأ مسيرته السينمائية مساعداً لـ«عبد الجواد»، وأخرج أول أفلامه «أسير الظلام» في 1947، وخرج فعلاً من أزمته النفسية.
صلاح ذو الفقار
من المحلة الكبرى، جاء الشاب الوسيم، صلاح ذو الفقار، ليلتحق بكلية «البوليس» أو «الشرطة»، وتخرج في نفس دفعة اللواء أحمد رشدي، والنبوي إسماعيل، وزكي بدر، وبعد تخرجه عمل مدرسا بنفس الكلية، وبعدها عمل في مديرية شبين الكوم، ثم انتقل للعمل بسجن مصر وقت قضية اغتيال أمين عثمان، التي اتُهم فيها أنور السادات، وكان «صلاح» الضابط المكلف بحراسته هو وباقي المتهمين، وعندما جمعتهما الصدفة بعد ذلك، تذكرا تلك الفترة وكيف سمح له بالتدخين داخل السجن رغم أن ذلك كان ممنوعا.
ولد «صلاح» بمدينة المحلة في 18 يناير 1926، وتعلم الملاكمة على يد بطل مصر وقتها، محمد فرج، وحقق حلمه بالالتحاق بكلية الطب، لكن 3 درجات منعته من تحقيق حلمه بالقاهرة فذهب إلى الإسكندرية وكان ذلك أثناء مرض والده، الذي كان متعلقا به بشدة، ما دفعه للمكوث بجانبه لفترات طويلة حتى وفاته ما تسبب بفصله منها، فعاد إلى القاهرة ليلتحق بكلية الشرطة التي تخرج فيها عام 1946.
ودخل «صلاح» السينما أثناء دراسته بالشرطة، بعدما رشحه أخوه، محمود، لدور ثانوي في فيلم «حبابة» عام 1944، ثم اشترك مع شادية في فيلم «عيون سهرانة» عام 1956، ليستقيل من عمله بالشرطة عام 1957 وتفرغ للفن، وكانت انطلاقته الحقيقية في فيلم «رد قلبي».