أحزاب ما بعد 25 يناير.. كيف تحولت إلى "دكاكين" ؟
كان المناخ السياسي بعد ثورة 25 يناير مهيأ لظهور أحزاب قوية تستطيع الوصول إلى الشارع، ويكون لها شعبية بين الناس، عكس الوضع أيام سنوات حكم حسني مبارك، لكن الأحزاب الناشئة سرعان ما دخلت في صراعات وأزمات، وزادت عزلتها عن الشارع يومًا بعد الآخر حتى صارت لا تختلف عن الأحزاب الكرتونية في عهد مبارك.
فقد صاحبت الأحزاب السياسية، في مرحلة ما بعد ثورة يناير 2011 الصراعات والأزمات، وانعكس ذلك في عدم إقبال مشاركة المواطنين في تلك الأحزاب.
ومن أهم أسباب أزمات الأحزاب بعد الثورة.
تعددية شكلية التعددية الحزبية هى أحد الأوجه التي تدل على سلامة البنية السياسية في أغلب الأحيان، لكن في النموذج المصري تحولت الأحزاب إلى ظاهرة "التحزب"، فأصبح كل اتجاه سياسي معين، يعبر عنه ما يقرب من 5 أو 6 أحزاب مختلفة، وأصبح عدد الأحزاب التي وصلت إلى 100 حزب لا يعبر إلا عن نصف مليون مواطن وهم عدد المؤسسين من أصل 100 مليون مواطن مصري، وهذا يوضح فشل تلك الأحزاب في تشكيل تحالفات انتخابية متماسكة أو متحدة في الأفكار والتوجهات، كذلك ممارسات قديمة فشلت الأحزاب السياسية في بناء إستراتيجية جديدة في التعامل مع الوضع السياسي بعد ثورة 25 يناير، واستمر الحال بعد ثورة 30 يونيو. وبرزت العديد من الممارسات التي كانت تنفذها الأحزاب قبل عام 2011، والتي كانت متمثلة في عقد الصفقات السياسية، مع السلطة، واستخدام المال السياسي، وترويج الشائعات، والاعتماد على ترويج الأشخاص إعلاميًا وليس أفكار الحزب.
الشخصنة فيروس الشخصنة من أهم الأخطاء التي تقع فيها الأحزاب سواء قبل أو بعد ثورة 25 يناير، ويصبح ارتباط وجود الحزب واستمراره مرتبط بشخص مؤسسه. وتتمثل خطورة هذه السمة بارتباط العضو أو المؤيد إلى شخص رئيس الحزب ومؤسسه، وليس أكثر من ارتباطه بأهداف الحزب وبرامجه.
عدم وضوح الهدف كثيرًا ما يختلط على الأحزاب المصرية الفرق بين الهدف والوسيلة، وهنا نجد الخطأ الذي وقعت فيه جميع الأحزاب وهى اقتصار هدفها على الوصول للسلطة، وفي الحقيقة أن الهدف الحقيقي لأى حزب هو تطبيق برنامجه ومشروعه السياسي، عن طريق عدة وسائل أهمها الوصول الي السلطة.
رد الفعل اعتمدت الأحزاب بعد ثورة يناير، على اتباع سياسة "رد الفعل" وليس العكس، وهو ما أخرجها من دور "الفاعل" في الحياة السياسية، بداية من اعتراضها المتكرر على قوانين الانتخابات إبان فترة حكم المجلس العسكري دون تقديم بديل حقيقي، مرورًا بالحشد للموافقة على دستور 2012 من قبل الأحزاب الإسلامية، و2014 من قبل الأحزاب المدنية، والتي اتضح بعد ذلك عوار بعض مواد هذه الدساتير، حتى وصل الأمر في الوقت الحالي لاقتصار "رد الفعل" على بعض البيانات الصادرة من الأحزاب، والتي في أغلبها تكون بيانات إشادة أو إدانة، دون تقديم موقف واضح أو مبادرة حقيقية. إرضاء السلطة لم تستطع الأحزاب السياسية، إقناع المواطنين بأنها تعمل لمصلحتهم بل اقتصر دورها على محاولة إرضاء السلطة في المقام الأول. وهناك العديد من النماذج خلال الفترة الاخيرة منها رفض حزب الحرية والعدالة تولي رئيس مجلس الشعب السلطة، وتركها للمجلس العسكري، ويأتى النموذج الثاني في موافقة الأحزاب بتركيبتها المختلفة على دعم الموافقة على دساتير ما بعد ثورة 25 يناير، والتي أثبت الوقت وجود "عوار" بها، ويتمثل النموذج الثالث في تصريحات قادة الأحزاب عن نيتها الموافقة دون مناقشة لقوانين انتخابات مجلس النواب القادم.
غياب الرؤية باتت رؤية الأحزاب للوضع السياسي "شبه معدومة" على مستوى الأحداث العامة، والسياسات الخاصة بالحزب نفسه والتي ينبغي أن يطبقها، وباتت برامج الأحزاب متشابهة، وأهدافها متداخلة إلى حد كبير.
وتعد حركة 6 أبريل أكثر الحركات الشبابية شهرة منذ ثورة يناير 2011، حيث كانت الأكثر وجوداً فى الفعاليات الميدانية وصولاً إلى 30 يونيو، والأكثر سيطرة على الإعلام من حيث ظهور أعضائها، إلى أن دبت فيها الصراعات والانقسامات بين جبهتى أحمد ماهر، والجبهة الديمقراطية، وكانت تظهر بين الحين والآخر بوادر لتقريب وجهات النظر بين الجبهتين، إلا أنها كانت تنتهى بالفشل، بسبب إصرار كل جبهة على تزعم خلية العمل السياسى، حتى تم القبض على كل من أحمد ماهر ومحمد عادل القياديين الرئيسيين فى الحركة، بتهمة الشغب أمام محكمة عابدين فى نوفمبر 2013، وحُكم عليهما بالسجن، حيث قضى ماهر 3 سنوات فى سجن طرة، بتهمة إثارة الشغب والاعتداء على رجال الشرطة، حتى خرج من محبسه الشهر الماضى، وخرج عادل قبل يومين.
وأعقب ذلك القبض على عمرو علي، أحد مؤسسى الحركة ومنسقها العام، بتهمة إثارة الرأى العام، قبل أن تأتى الكلمة الفصل فى مارس 2015، بقرار محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بحظر الحركة والتحفظ على أموالها ومقراتها، ما دفعها إلى بيات شتوى والاختفاء، مع ظهور خافت فى مسيرات ومظاهرات تيران وصنافير الأخيرة على سلالم نقابة الصحفيين.
وفى 3 أبريل 2011 ظهر حزب المصريين الأحرار على يد مؤسسه المهندس نجيب ساويرس رجل الأعمال بالاشتراك مع مجموعة من المفكرين والسياسيين، واستمر الحزب يزداد قوة حتى أصبح الحزب الأول ذا المقاعد الأكبر فى مجلس النواب بحصوله على 65 مقعداً، إلا أن هذه القوة لم تستمر طويلاً حتى طالت الصراعات والانقسام الحزب ورجاله، ليتكون جناحان الأول يرأسه ساويرس والآخر يتزعمه الدكتور عصام خليل رئيس الحزب.
وشهد حزب المؤتمر الذى أسسه الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى عقب ثورة 25 يناير، أزمات وانشقاقات وموجات استقالات جماعية، بعد أن استقال مؤسسه منه وبدأت الصراعات والانشقاقات تدب فى داخله، ولم ينج حزب الدستور الذى أسسه الدكتور محمد البرادعى، نائب رئيس الجمهورية السابق ليكون منبراً لليبرالية جامعاً للشباب من أزمات داخلية أدخلته فى دوامة الصراعات والانقسامات التى أدت لتقديم عشرات القيادات ومؤسسى الحزب استقالاتهم، بعد استقالة البرادعي من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية السابق، وانسحابه من رئاسة الحزب فى 2013، فبدأ فى الانهيار وبدأت الخلافات تطفو على السطح، ودخل حزب الحركة الوطنية، الذى أسسه الفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء الأسبق نفقاً مظلماً، رغم التوقعات التى أعقبت تأسيسه فى يناير 2013 بأن يصبح واحداً من أكبر الأحزاب فى الشارع السياسى، إلا أن هذا لم يحدث أبداً، وبدأت المشاكل والانقسامات تضرب الحزب واحدة تلو الأخرى، واستقال منه معظم قيادات الحزب على رأسهم الدكتورة لميس جابر وغيرها من القيادات، حتى استقال مؤسس الحزب نفسه الفريق أحمد شفيق، وكانت حركة تمرد الشُعلة المفجرة لتحضيرات ثورة 30 يونيو 2013، التى جمعت نحو 22 مليون توقيع على استمارات إسقاط محمد مرسى الرئيس المعزول وإخوانه، وهى الآن تنتظر شهادة الوفاة الرسمية لكيانها، بعد انقسامها إلى 3 جبهات فى العامين الأخيرين، وشهد تيار الإسلام السياسى فى الفترة الأخيرة، ومنذ ثورة 25 يناير صراعات عديدة إلى الآن، حتى يمكن القول إن كل مكونات التيار باتت فى حالة من الصراع الدائم، وسط مخططات القتل والشغب والعنف التى تبنتها بعض تيارات الإسلام السياسى، وعلى صعيد جماعة الإخوان تصارع جيل الشيوخ من الإخوان مع الشباب، حيث يتهمهم الشباب بالمسئولية عن الأزمات التى وقعت للجماعة بعد ثورة يناير 2011، والتى بدأت مع إصرار القيادات على خوض الانتخابات الرئاسية رغم وعود سابقة بعدم ترشيح أحد منهم، وكذلك إصرارهم على الاعتصام فى رابعة وإيهام الشباب بقرب انتهاء الأزمة، وغيرها من المواقف المخزية من قيادات الجماعة التاريخية، وأيضاً اشتعل صراع آخر حول نهج التعامل مع السلطة فى مصر، حيث طالب قطاع من الشباب المتعصب بالانخراط فى العنف ضد الدولة، وقاد هذا الجانب محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد، ولم يفلت التيار السلفى من هذا الصراع والانقسام، على الرغم من تظاهره بالقوة والتماسك بعد ثورة 25 يناير، إلا أنه عقب سقوط حكم الإخوان انقسمت السلفية بين جماعات عادت لممارسة الدعوة سراً ورفض العمل السياسى، وجماعات تمسكت بالعنف وهربت إلى قطر وتركيا لتقود العنف من هناك.
وقال الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية، إن الحركات الثورية كان لها مرحلتان، فبعد 25 يناير كانت فى مرحلتها الذهبية وكان الطبيعى أن يظهر العديد من الحركات والأحزاب السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، كل منها يؤدى دوره، والمرحلة الثانية كانت بعد 30 يونيو، التى شهدت ظهور واختفاء بعض منها، مثل حركات الاشتراكيين الثوريين وثوار مصر ومصر المستقبل، التى كانت حركات تظهر وتختفى وتظهر فى توقيتات معينة، موضحاً أنه على الجانب الآخر كانت هناك حركات ظهرت داعية للتغيير العنيف، التى تبنت خيار العنف، مثل حسم وثوار، كلها خرجت من تحت عباءة الإخوان.
وأضاف فهمى، أن من أهم أسباب اختفاء تلك الحركات التى خرجت من رحم ثورة 25 يناير، هو غياب البعد السياسى فى أغلب مراحل التحول، نتيجة لعدم وجود أحزاب مؤثرة، وعدم استغلال تلك الحركات لحالة الفراغ السياسى، لافتاً إلى أن هناك وهماً أُخذ عن الحركات الثورية أن أغلبها اشتراكية أو ممتدة من اليسار أو الشعبويين أو الفوضويين، مشيراً إلى أن هناك حركات ظهرت فى عهد مبارك وأدت دورها كحركة كفاية وحركة التغيير وانتهت بعدها، كما أن حركة تمرد نشأت بهدف إسقاط نظام جماعة الإخوان ولم يكن لها دور آخر على الساحة السياسية، وأوضح أن أغلب هذه الحركات التى ولدت بعد ثورة 25 يناير اختفت، لأنها خلت من الإطار الهيكلى التنظيمى وخطابها كان متناقضاً، واكتفوا بالوجود فى مطالب محددة ولم تكن لديهم الرؤية الشاملة، مشيراً إلى أن الشباب بطبيعة الحال كان يحتاج لخبرة كافية.
وقال الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، إن ثورة 25 يناير تعرضت لمحاولات إجهاض من الإخوان، مشيراً إلى أن أسباب فشلها عديدة ومنها؛ القفز على أهدافها من قبل الإخوان وبقايا النظام الذى قامت عليه الثورة مطالبة بالعدالة والديمقراطية، وأن أسباب الثورة متراكمة طوال عهد مبارك إلى أن جاء تزوير الانتخابات وثورة تونس فانطلقت الشرارة التى ولدت الكثير من الحركات الشبابية، موضحاً: "لا أهداف الثورة تحققت ولا قواعد الحكم تغيرت، وانعكس هذا الوضع على الناس بالإحباط وهو ما أدى إلى تآكل القوى الثورية والعمل العام وعدم تفعيل الأحزاب، كما أن المناخ غير محفز والشباب فى السجون، وبالتالى الأطراف الأساسية فى تحريك الثورة انتهت".
وأشار زهران إلى أن أهم الأسباب التى أدت إلى تآكل القوى الشبابية هو عدم وجود رؤية موحدة وأرضية مشتركة تقاوم القوى المضادة للثورة، حيث وجدنا أن الأخيرة تزاحمنا فى العمل السياسى العام، وهو ما كان يستوجب عزل هؤلاء وإتاحة الفرصة لأبناء الثورة أن يحققوا أهدافها، منوهاً بأن القوى الثورية تعرضت لعدة أشكال من التدمير منها؛ التمزيق، والتشريد، والسجن، وتم تجميد بعضهم وتجنيد البعض الآخر وهو ما أدى إلى تشتت هذه القوى، مضيفاً: "لم نر أى محاكمات جادة لرموز مبارك ولا لرموز الإخوان وهو ما أصاب الناس باليأس، وإن كل المحفزات غير موجودة، وهذا سبب التراجع فى القوى المنظمة بعد التدهور العام فى مستوى معيشة المواطن وآخرها تعويم الجنيه، فانحصرت الثورة فى الكلام فقط".