الحكاية الكاملة لاغتيال هنية "بصاروخ موجَّه" في طهران.. ضربة لحماس وإحراج لإيران و"خرق أمني" في دائرة المُرشد

لم تكن الساعات الماضية هادئة؛ فمن بيروت إلى بابل وصولا لطهران، كانت السماء تشتعل بدخان التصعيد.

ففي بيروت، كانت الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية، مساء الثلاثاء، على موعد مع قصف إسرائيلي، قالت تل أبيب إنه استهدف قائدا بارزا في حزب الله.

وفي بابل بالعراق، كانت مواقع للحشد الشعبي الموالي لإيران، مع منتصف ليل الثلاثاء- الأربعاء- تتعرض لقصف من طيران مجهول، أسفر عن وقوع قتلى وجرحى.

وفي العاصمة الإيرانية طهران، كان مقر إقامة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، فجر اليوم الأربعاء، تحت المجهر، قبل الإعلان عن اغتياله.

التفاصيل الأولى لاغتيال هنية

التفاصيل الأولى لاغتيال إسماعيل هنية في طهران، أوردتها وكالة أنباء الطلبة الإيرانية، التي قالت إن العملية وقعت عند حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، بالتوقيت المحلي.

وكان هنية في زيارة لطهران، للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.

وتم اغتيال هنية في أحد المساكن الخاصة بقدامى المحاربين شمالي طهران، وأنه جرى استهدافه بصاروخ أصابه بشكل مباشر.

وكان الحرس الثوري الإيراني، أعلن صباح اليوم السبت، مقتل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وأحد حراسه نتيجة تعرض مكان إقامتهما في طهران.

ولكن كيف سترد إيران على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في عُقر دارها؟ وهل سيؤدي إلى تصعيد خطير في المنطقة الملتهبة؟

ولم تعلق إسرائيل على الفور على مقتل هنية. وعادة لا تؤكد أو تنفي محاولات الاغتيال على أرض أجنبية.

وكان المسؤولون الإسرائيليون قد صرحوا في وقت سابق بأنهم سيحاسبون جميع قادة حماس على الهجوم الذي شنته الحركة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي على جنوب إسرائيل.

وجاء مقتل هنية بعد ساعات من إعلان إسرائيل أنها قتلت قائدا بارزا في حزب الله في غارة جوية على العاصمة اللبنانية بيروت، مما زاد من المخاوف من انزلاق المنطقة نحو حرب شاملة.

وحتى اللحظة لم يصدر عن حزب الله أي تعليق رسمي بشأن الضربة الإسرائيلية، لكنها كانت أول هجوم إسرائيلي يستهدف أحد قادة الحزب في بيروت منذ السابع من أكتوبر، وجاءت ذلك ردا على هجوم صاروخي يوم السبت في مرتفعات الجولان المحتلة، والذي أسفر عن مقتل 12 طفلا في ملعب كرة قدم.

ضربة قوية لحماس؟

ويؤكد مراقبون أن اغتيال هنية يشكل ضربة قوية لحماس في وقت تشتعل فيه التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط بسبب الحرب المدمرة في غزة.

ويثير مقتل رئيس المكتب السياسي لحماس، تساؤلات محفوفة بالمخاطر حول مستقبل المفاوضات بين إسرائيل وحماس.

وبصفته الزعيم السياسي لحماس، كان محاورا رئيسيا مع الوسطاء الدوليين خلال محادثات الرهائن ووقف إطلاق النار المتوقفة بين إسرائيل وحماس، في أعقاب هجوم الحركة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقال المحلل السياسي والخارجي في شبكة "سي إن إن" الأمريكية باراك رافيد، إن مقتل الزعيم السياسي لحماس هو "أول عملية إسرائيلية مهمة منذ السابع من أكتوبر".

وأضاف رافيد أنه في حين أن هنية ليس ذا أهمية عسكرية، إلا أنه مسؤول عن العلاقات الدولية للحركة وهو المحاور الرئيسي مع الوسطاء بشأن صفقة الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة".

إحراج لإيران؟

صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية قالت إن مقتل هنية في طهران "سيشكل إحراجا كبيرا لإيران ويخاطر بانتقام من إسرائيل".

ولفتت الصحيفة إلى وجود مخاوف أيضا بشأن كيفية رد إيران على ما حصل في عُقر دارها، خاصة إذا تم التأكد من أن إسرائيل هي التي نفذت الضربة التي قتلت هنية.

لكن المؤكد لدى الصحيفة هو أن عملية الاغتيال ستزيد بشكل كبير من خطر تصعيد الأعمال العدائية الإقليمية.

الاختراق:

ويتساءل كثيرون كيف تم اغتيال حليف كبير لإيران مثل إسماعيل هنية على أراضيها؟ وما هو مصير الشخصيات البارزة التي التقى بها؟ وهل إيران مخترقة أمنيا؟

وكيف يمكن أن تحدد استجابة كل من حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني، مسار الصراع وما إذا كان سيُغرق المنطقة في حرب على جبهات متعددة؟

بالنسبة لإيران، التي تم اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على أراضيها، فجر اليوم الأربعاء، تعقد اجتماعا طارئا للمجلس الأعلى للأمن القومي في مقر إقامة المرشد الأعلى.

ونقلت مصادر عن مسؤولين إيرانيين، أن القائد العام لقوة القدس الذي يشرف على شبكة المليشيات المسلحة موجود أيضا في الاجتماع.

وألقى التلفزيون الحكومي الإيراني باللوم على إسرائيل في مقتل إسماعيل هنية وقال إن العملية ستؤخر وقف إطلاق النار في غزة لعدة أشهر.

ويقول مراقبون إن التصريحات على التلفزيون الحكومي الإيراني لها وزن لأنها تعكس وجهة نظر المرشد الأعلى علي خامنئي والحكومة.

ولم تعلق تل أبيب بشكل مباشر على عملية الاغتيال. لكن الجيش الإسرائيلي أصدر بيانا قال فيه "لا توجد تغييرات في المبادئ التوجيهية الدفاعية لقيادة الجبهة الداخلية"، لافتا إلى أنه يجري "تقييمًا للوضع".

خرق أمني

ويرى مراقبون أن اغتيال هنية، يمثل إشارة جديدة لاختراق منظومة الأمن الإيرانية.

وفي هذا الصدد، لفتت صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى أن الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، يتولى منصبه في مواجهة خرق أمني كبير يتمثل في الفشل في حماية حليف.

ويثير ذلك تساؤلات حول سلامة كبار القادة الإيرانيين الذين كانوا على اتصال وثيق  بهنية الذي التقى المرشد الأعلى علي خامنئي، الثلاثاء.

وأفادت وسائل إعلام إيرانية أن الصورة الأخيرة لإسماعيل هنية في طهران، أمس الثلاثاء، أظهرت زيارته لمعرض منتزه ترفيهي لمعالم "محور المقاومة"، وهو مع زعيم حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية زياد النخالة، وأشخاص آخرين.

ويشير مراقبون وتقارير إعلامية غربية إلى أن الاستخبارات الإيرانية تعرضت في العقدين الأخيرين، لهزات ضخمة كشفت ثغرات واسعة في أدائها داخل وخارج البلاد، مرتبطة بملفات تخص إيران وحدها أو وكلاءها وحلفاءها في الخارج.

وأسفرت هذه الثغرات عن سلسلة اغتيالات ومحاولات اغتيال طالت قيادات في الحرس الثوري الإيراني، وعلماء في الطاقة النووية، وسرقة معلومات حساسة عن المشروع النووي من قلب إيران، وكذلك خارج أراضيها.

وأصبح هنية زعيم حماس في غزة في عام 2006. وانتقل إلى قطر في عام 2017 عندما تم تعيينه رئيسا سياسيا للحركة.

في أبريل الماضي، قُتل ثلاثة من أبناء هنية في غارة إسرائيلية في مدينة غزة.

رد أمريكي

عندما سُئل عن تورط إسرائيل في اغتيال زعيم حماس وما إذا كانت الولايات المتحدة قد علمت مسبقًا بذلك، أجاب وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن: "ليس لدي أي شيء لك بشأن هذا الأمر".

وقال أوستن على متن سفينة تابعة للبحرية في الفلبين، إن الولايات المتحدة ستدافع عن إسرائيل إذا تعرضت للهجوم.

وأضاف: "لا نريد أن نرى أيا من ذلك يحدث. سنعمل بجد للتأكد من أننا نفعل ذلك".

قبل مقتل هنية، كانت أخبار الهجوم الإسرائيلي على بيروت يوم الثلاثاء تهيمن على عناوين الأخبار، حيث تحدثت تل أبيب عن استهداف الرجل الثاني في حزب الله فؤاد شكر الملقب بـ"الحاج محسن" والذي قالت إنه مسؤول عن هجوم مجدل شمس.

وبعد ساعات من الصمت، أكد حزب الله صباح اليوم الأربعاء، أن فؤاد شكر، أحد كبار القادة، كان في المبنى الذي استهدفته القوات الإسرائيلية في بيروت.

ومع ذلك، لم يؤكد حزب الله وفاته. وبدلا من ذلك، قال إن فرق الإنقاذ كانت تعمل "بجد ولكن ببطء" لرفع الأنقاض.

 

 

التعليقات