
موقف تاريخي بالغ الحرج.. "خيارات أوروبا الصعبة" بعد تخلي أمريكا عن أوكرانيا
السجال الناري الذي دار بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، في البيت الأبيض، وضع دول أوروبا تحت ضغوط متزايدة من أجل سد الفجوات في المساعدات الأمريكية، من خلال تزويد أوكرانيا بالأسلحة الخاصة بها ومواجهة ما إذا كانت قادرة على تسليح أوكرانيا بمفردها، وفق ما أوردته صحيفة" واشنطن بوست" الأمريكية.
وذكرت الصحيفة أنه في أعقاب السجال الناري الذي شهده البيت الأبيض، الجمعة، قام زعماء القارة بأمرين، الإعلان عن انتهاء أيام الشراكة مع الولايات المتحدة، ومحاولات دبلوماسية للسيطرة على الأضرار.
ونقلت الصحيفة عن جيرارد أرود، السفير الفرنسي السابق لدى واشنطن: "أصبح الأوروبيون في موقف حرج للغاية.. لقد اقتربت لحظة الحقيقة؛ فهل سيتمكنون من الارتقاء إلى مستوى الحدث؟".
وذكرت الصحيفة أنه بينما يبدو أن فرص اضطرار أوروبا إلى تسليح أوكرانيا تتزايد، يراجع صناع القرار السياسي في أوروبا مخزوناتهم من الأسلحة، لتقييم مقدار ما يمكنهم التدخل لدعم كييف.
وأوضحت أن حالة عدم اليقين بشأن استمرار الدعم الأمريكي تزيد من إلحاح الاجتماع الأخير للقادة الأوروبيين الذي سيستضيفه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، اليوم الأحد.
تابعت: "اجتمعوا مرتين بالفعل في باريس للاتفاق على تعزيز المساعدات لأوكرانيا، بما في ذلك نشر القوات بعد الحرب، وإيجاد مليارات اليوروهات لدعم جيوشهم وهم يواجهون احتمال إقامة علاقة مع الولايات المتحدة الأقل مشاركة".
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إن التحول الصارخ في الاستراتيجية الأمريكية ترك زعماء القارة في حالة من الذهول.
وحسب الصحيفة، يخشى كثيرون أن تؤدي نهاية الحرب باتفاق ضعيف مع أوكرانيا إلى تشجيع روسيا، ما يجعلها تشكِّل تهديدًا أعظم لبقية أوروبا.
وأضافت أن التغيير في النبرة يجعل تحقيق قدر أعظم من الاعتماد على الذات أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، حتى لو واجه زعماء أوروبا نفس التحديات الهائلة التي واجهوها من قبل.
وأشارت إلى أن بناء أنظمة الأسلحة والقدرات التي تحتاجها أوروبا لتحقيق استقلالها العسكري الحقيقي سوف يستغرق سنوات عديدة، كما أن دعم أوكرانيا في حين يتم بناء دفاعات محلية قد يتطلب اتخاذ نوع من الإجراءات السريعة والإرادة السياسية الموحدة التي يكافح الاتحاد الأوروبي في كثير من الأحيان لتحقيقها.
وقالت ألكسندرا دي هوب شيفر، القائمة بأعمال رئيس صندوق مارشال الألماني: "كل شيء يعتمد على أوروبا اليوم، والسؤال هو: كيف يمكنهم التحرك؟ ليس لديهم بديل".
وكان الزعماء الأوروبيون بدأوا بالفعل في مناقشة الكيفية التي يمكنهم من خلالها المساعدة في ضمان الأمن في أوكرانيا إذا تم التوصل إلى اتفاق سلام، وما هي الشروط التي قد يجدونها مقبولة، وما قد يقدمونه لأوكرانيا في حزمة المساعدات التالية.
ومن المقرر أن يجتمع كبار المسؤولين هذا الأسبوع لمناقشة الدفاع، أولًا في لندن، اليوم، في تجمع نظمه كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، ثم في بروكسل الخميس المقبل، في قمة خاصة للمجلس الأوروبي، والتي تجمع رؤساء دول الاتحاد الأوروبي.
واجتمع ممثلو الدول الأعضاء السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي بعد ظهر أمس الأول الجمعة، للتوصل إلى مسودة أفكار للاجتماع في بروكسل، وتضمنت الخطة دعوات لتعزيز دفاعات الاتحاد الأوروبي بشكل أسرع مما كان متوقعًا في السابق، وتحديد الضمانات الأمنية المحتملة لأوكرانيا بشكل أكثر وضوحًا، وكان ذلك قبل السجال الناري بين ترامب وزيلينسكي.
واعتبرت "نيويورك تايمز" تسريع انتقال أوروبا إلى قدر أعظم من الاستقلال في مجال الدفاع لن يكون بالمهمة السهلة، ففي البداية من المرجح أن يكون تحمل الجزء الأكبر من العبء المالي لمساعدة أوكرانيا مكلفًا، إذ أنفقت الولايات المتحدة وحدها نحو 114 مليار دولار على المساعدات العسكرية والمالية والإنسانية لأوكرانيا على مدى السنوات الثلاث الماضية -وفقًا لإحدى أدوات التتبع المستخدمة بشكل متكرر- مقارنة بنحو 132 مليار دولار أنفقتها أوروبا.
وعلاوة على ذلك، عندما يتعلق الأمر بالدفاع الأوروبي على نطاق أوسع، توفر أمريكا أنظمة أسلحة حيوية ومعدات عسكرية أخرى يكاد يكون من المستحيل استبدالها بسرعة.
وقال جيرومين زيتلماير، مدير مركز بروجل للأبحاث ومقره بروكسل: "لا نزال في حاجة إلى الولايات المتحدة".
وزادت دول الاتحاد الأوروبي إنفاقها العسكري في السنوات الأخيرة، وأنفقت 30 % أكثر في العام الماضي مقارنة بعام 2021، لكن بعض دول حلف شمال الأطلسي" الناتو" لا تزال بعيدة عن تحقيق هدف إنفاق أعضائها 2% أو أكثر من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع.
وأوضح "نيويورك تايمز" أن جزءًا من المشكلة يكمن في أن زيادة الإنفاق على الدفاع تعني عادة إنفاقًا أقل على أولويات أخرى، مثل الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية. ونظرًا للتحديات الاقتصادية والقيود الميزانية في ألمانيا وفرنسا والاقتصادات الأصغر مثل بلجيكا، فإن إيجاد الإرادة السياسية لزيادة الإنفاق كان يشكل تحديًا كبيرًا.
ومع ذلك، وفق الصحيفة، يحاول الزعماء الأوروبيون إيجاد السبل لجعل قواعد العجز على مستوى الكتلة أكثر مرونة لتمكين المزيد من الاستثمارات العسكرية.
وعندما يتعلق الأمر بالعثور على المزيد من الأموال لدعم أوكرانيا، فإن الأوروبيين لا يتحدثون بصوت واحد.
وكان المسؤولون الأوروبيون ناقشوا بالفعل حزمة مساعدات مستقبلية لأوكرانيا، والتي قد تصل قيمتها إلى عشرات المليارات من اليوروهات. وبحلول ليلة الجمعة، كانت الدول التي تدفع من أجل مبالغ أكثر طموحًا تأمل أن تساعد نبرة ترامب خلال اجتماع زيلينسكي في حثِّ المتخلفين الأوروبيين على فتح جيوبهم، وفقًا لدبلوماسي مطلِع على المناقشات.
لكن من المتوقع أن تعارض "المجر" حزمة المساعدات الجديدة لأوكرانيا، وهو ما قد يجبر الاتحاد الأوروبي على بذل جهد يستغرق وقتًا طويلًا لجمع المساهمات من الدول الأعضاء، بدلًا من تمرير حزمة على مستوى الكتلة، لأن هذا الأخير يتطلب الإجماع.
وفي إشارة واضحة إلى الانقسام، وقف فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر، بعيدًا عن العديد من الزعماء الأوروبيين الآخرين، شاكرًا ترامب على تبادله الحديث مع زيلينسكي.
كما يدرس المسؤولون الأوروبيون ما إذا كان ينبغي لهم نشر قوات حفظ سلام أوروبية على الأرض في أوكرانيا، ومتى وكيف ينبغي لهم ذلك، إذا تم التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب.
وأعربت بريطانيا عن استعدادها لإرسال قوات إلى أوكرانيا، وكذلك فعلت فرنسا، ومن المتوقع أن تستمر المناقشات حول هذا الأمر هذا الأسبوع.
ومع إدراك أوروبا بشكل متزايد أن الولايات المتحدة "غير موثوقة إلى حد كبير"، كما قال زتلماير في بروجل، فإن الوقت المناسب لاسترضاء ترامب والأمل في استمرار العلاقات ربما يكون قد مضى.