حكاية توت عنخ آمون.. الفرعون الذهبي الذي أصبح "أعظم علامة تجارية في التاريخ"
منذ اكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون قبل قرن تقريبًا، تحولت مقتنياته إلى ظاهرة ثقافية وتجارية ضخمة تجذب ملايين الزوار حول العالم وتدر أرباحا هائلة.
فالمعارض التي تجوب المدن الكبرى لم تعد مجرد عروض أثرية، بل أصبحت صناعة متكاملة تجمع بين التاريخ والتسويق والفن والترفيه.
بدأت الأسطورة عام 1922، عندما اكتشف عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر مقبرة توت عنخ آمون شبه الكاملة في وادي الملوك بالأقصر.
وكان هذا الاكتشاف حدثا عالميا استثنائيا، إذ كشفت المقبرة عن أكثر من 5000 قطعة أثرية محفوظة بشكل مذهل، من بينها التابوت الذهبي الشهير والقناع الجنائزي المرصّع بالأحجار الكريمة.
وذكر تقرير نشرته شبكة "سي إن إن" في وقت سابق أن هذا الاكتشاف أثار حماسة غير مسبوقة حول "الفرعون الصغير" الذي توفي في سن التاسعة عشرة تقريبا.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت قصة توت مصدرا لا ينضب للخيال والإلهام في الأدب والسينما والموضة وحتى في تصميم المجوهرات.
من المتاحف إلى العروض العالمية، بدأت أولى المعارض الكبرى لمقتنيات توت عنخ آمون في السبعينيات من القرن الماضي، عندما نظّمت مصر جولة دولية تضمنت عرض كنوز الفرعون في عدة دول، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان.
وجذبت هذه المعارض طوابير ضخمة من الزوار وأحدثت ضجة إعلامية واسعة، ما دفع الحكومات والمتاحف إلى إدراك الإمكانات الاقتصادية الهائلة لهذه الكنوز.
وفي عام 1979، زار أكثر من 8 ملايين شخص معرض "كنوز توت عنخ آمون" في الولايات المتحدة، وهو رقم قياسي لمعرض فني في ذلك الوقت.
ومنذ ذلك الحين، وُلد نموذج جديد يجمع بين الثقافة والسياحة والتجارة.
ومع مرور العقود، تطورت معارض توت عنخ آمون إلى أحداث ضخمة تدرّ ملايين الدولارات من بيع التذاكر والهدايا التذكارية والرعاية التجارية.
واليوم، يتم تنظيم المعارض بأسلوب حديث يدمج بين التكنولوجيا والعروض البصرية الغامرة، مثل الإسقاطات الضوئية والموسيقى التصويرية والأفلام الوثائقية القصيرة التي تروي قصة الفرعون الشاب بطريقة درامية.
ووقّعت شركات إنتاج خاصة عقودًا مع الحكومة المصرية لتنظيم جولات عالمية جديدة للقطع الأثرية الأصلية أو النسخ عالية الجودة منها.
وتُعد هذه المعارض مصدر دخل مهم لوزارة السياحة والآثار المصرية، إلى جانب دورها في الترويج لمصر كوجهة ثقافية وسياحية.
ورغم النجاح الهائل لهذه العروض، يثير بعض علماء الآثار تساؤلات حول التوازن بين الجانب العلمي والجانب التجاري.
فالبعض يرى أن عرض القطع الأثرية في قاعات خاصة مقابل تذاكر باهظة الثمن يحوّل التراث إلى سلعة، بينما يؤكد آخرون أن هذه المعارض تساهم في نشر الوعي بتاريخ مصر القديمة على نطاق عالمي وتجذب استثمارات جديدة للحفاظ على التراث.
كما أثارت فكرة "تسليع" الفرعون نقاشًا واسعًا حول حقوق عرض القطع الأثرية الأصلية، خاصة بعد إرسال بعضها في جولات دولية رغم قيمتها الأثرية الفائقة وحساسيتها العالية.
واليوم، لا يقتصر إرث توت عنخ آمون على المتاحف والمعارض، بل يمتد إلى الثقافة الشعبية الحديثة.
فقد استُخدم وجهه الذهبي في الإعلانات التجارية، وألهم تصميمات أزياء وأغلفة ألبومات موسيقية وألعاب فيديو.
وحتى في السينما الهوليوودية، لا يزال الفرعون رمزًا للغموض والسحر المصري القديم.
ويقول أحد منظّمي المعارض إن "توت عنخ آمون هو أعظم علامة تجارية في تاريخ علم الآثار"، فكل عرض يحمل اسمه يضمن النجاح التجاري تقريبًا، بفضل ما يمثله من مزيج نادر بين الجمال والفخامة والغموض التاريخي.
ومع افتتاح المتحف المصري الكبير في الجيزة، الذي سيضم المجموعة الكاملة لمقتنيات توت عنخ آمون لأول مرة في مكان واحد، يُتوقّع أن تشهد الظاهرة مرحلة جديدة.
فسيكون المتحف بمثابة "العرض الدائم" للفرعون، لكنه لن يوقف جولات النسخ المتنقلة التي تستمر في اجتذاب الجماهير في كل قارة.
ومن الواضح أن "الفرعون الذهبي" لا يزال يعيش بيننا، ليس فقط كرمز للتاريخ المصري القديم، بل كعلامة عالمية لصناعة مزدهرة تجمع بين العلم والثقافة والترفيه — وصناعة تدرّ الملايين عامًا بعد عام.


