بعد حصار الـ"500 يوم".. سودانيات يواجهن المُهمة المُستحيلة في معركة "لم شمل الأسرة"

بعد حصار استمر لأكثر من 500 يوم، سقطت مدينة الفاشر المحورية في دارفور بيد الدعم السريع في أواخر أكتوبر؛ ما دفع أكثر من 89 ألف شخص إلى الفرار، معظمهم من النساء والأطفال، الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة معركة شاقة لإعادة لمّ شمل أسرهم الممزقة.

ومثّل سقوط الفاشر نقطة تحوّل في الحرب السودانية الدائرة منذ عامين ونصف العام بين الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية بقيادة اللواء عبدالفتاح البرهان، حيث ترتبط أهمية المدينة عسكريًا واستراتيجيًا بكونها العاصمة التاريخية لدارفور، وهي آخر مركز رئيسي للجيش السوداني في الإقليم.

اختفاء وصدمات

ولكن موجة النزوح من الفاشر، وفقًا لموقع مونيتور، تجاوزت كونها مجرد أزمة عسكرية أو سياسية، حيث دفعت أحداث الاقتحام المأساوية إلى تفكك إنساني للمجتمعات في المدينة، وهي أمور لا تُسجلها الإحصاءات الرسمية، وتشمل — على سبيل المثال — اختفاء الآباء والأبناء، والصدمات النفسية التي تعرض لها الأطفال.

وطوال فترة الحرب، دأبت الدعم السريع على اختطاف المدنيين، خاصة الرجال، لترهيب المجتمعات المحلية وتمويل عملياتها العسكرية من خلال دفع الفدية، وهو ما جعل آلاف الأسر تعيش بلا عائل، ودفع النساء للقيام بأدوار ثنائية بين البحث عن الطعام والمال وبين الحفاظ على الأسرة متماسكة.

مهمة مستحيلة

أمام ذلك، تواجه النساء السودانيات الفارّات من جحيم الفاشر مهمة مستحيلة، تتمثل في محاولة الحفاظ على تماسك أسرهن، في الوقت الذي ينهار فيه كل شيء من حولهن، حيث لم يعدن يفكرن في خسارة المال أو الأثاث أو الذهب أو السيارات، ولكن بالنسبة لهن، فإن الفقد الحقيقي يتمثل في الأرواح التي لا يمكن تعويضها.

وخلال الحصار الوحشي، اجتاح الجوع الفاشر، مجبرًا الكثير من النساء على العيش على علف الحيوانات وأوراق الشجر، حيث تم إعلان المجاعة في مخيم زمزم القريب من المدينة في أغسطس 2024، وبحلول الشهر الماضي امتدت المجاعة إلى المدينة نفسها، إذ كان ثلاثة أطفال يموتون جوعًا يوميًا.

مآسي النساء

وروت عدة نساء المآسي التي تعرضن لها في رحلتهن الأخيرة، مشيرات إلى أنه طوال ثمانية عشر شهرًا، حاصرت الدعم السريع مدينة الفاشر، وسط قصف متواصل على المدينة ومخيمات اللاجئين على أطرافها، ومنعت وصول المساعدات الإنسانية.

وقالت السيدة عويضة خميس، إحدى الناجيات من مجازر الفاشر، إنه في أحد أيام منتصف أكتوبر، تسللت هي وخمس نساء أخريات من دار الأرقم، مأوى النازحين الذي كنّ يعشن فيه، وتوجهن إلى قرية قريبة كان سكانها يقدمون لهن الطعام أحيانًا، ولكن في طريق العودة تم اعتقالهن من جانب الدعم السريع.

جريمة الطعام

هؤلاء النساء الخمس تم اتهامهن بنقل إمدادات للجيش السوداني، وكانت الأحراز عبارة عن 7 كيلوجرامات من السكر، و10 كيلوجرامات من دقيق الذرة، و3 كيلوجرامات من الأرز، حيث تم احتجازهن لمدة عشرة أيام في تابت، وهي مدينة تبعد 48 كيلومترًا عن الفاشر، مشيرات إلى أن جريمتهن كانت البحث عن الطعام لإبقاء الأطفال على قيد الحياة.

أما السيدة الملقبة بـ"إدريس" فأكدت أن فرارها إلى مدينة طويلة، التي تبعد 48 كيلومترًا عن الفاشر، كان مليئًا بقصص حافلة بالفقد، حيث هربت هي وعائلتها إلى الفاشر من منزلهم في كورما، على بُعد 80 كيلومترًا غربًا عام 2015.

على قيد الحياة

وعقب اندلاع الحرب عام 2023، غادر زوجها إلى ليبيا، مخططًا لخوض رحلة محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا، إلا أنها لم تسمع عنه شيئًا منذ ذلك الحين، لا خبر وصول ولا وفاة.

وبعد ذلك، عندما أصبحت الفاشر منطقة حرب في الشهر الماضي، فقدت الأسرة منزلها هناك أيضًا.

بعد النجاة من جحيم الفاشر، بات البقاء على قيد الحياة مهمة مستحيلة لكل السيدات السودانيات اللائي يحاولن الحفاظ على أسرهن، خاصة أن غالبية الوافدين من الفاشر يعانون من سوء التغذية، وفقًا لمنظمة أطباء بلا حدود، التي وصفت الوضع بأنه أشد حالات الجوع في السودان منذ بداية الحرب.

 

التعليقات