بلد الممنوعات!
Monday, March 20, 2017 - 21:33
ممنوع من السفر
ممنوع من الكلام
ممنوع من الابتسام
وكل يوم يا مصر
تزيد الممنوعات
وكل يوم بحبك
أكثر من اللي فات!
ربما كان الشاعر المرحوم أحمد فؤاد نجم لديه من الأسباب ما جعله يحب البلد رغم كل هذه الممنوعات، ولكن هناك عشرات الممنوعات الأخرى في كل مكان التي تجعل الحياة شبه مستحيلة في مصر خاصة في غياب الوعي والبدائل.
.. ممنوع الدخول.. ممنوع المحمول، ممنوع الانتظار.. ممنوع استعمال المصعد.. ممنوع الاقتراب.. ممنوع اللمس والهمس .. ممنوع التصوير.. إلخ!!
ونحن من صغرنا تعودنا علي كلمة "ممنوع" حتي فقدت الكلمة معناها، وأصبح كل ممنوع مسموح.. المواطن يصور ما هو ممنوع و يدخن في الأماكن المحظورة ويقترب بدون استئذان، ويدخل في الممنوع ويتحدث في المحمول أثناء القيادة وفي السينما والمسرح وأي مكان ويقف في الممنوع، ويتلف الزرع، ويركن في أي مكان، ويسير عكس الاتجاه بلا خجل أو خوف من قانون أو عقاب، حتى أصبحنا الشعب الوحيد في العالم الذي اعتبر نفسه فوق القانون وقرر أن يعيش بقانونه الخاص.
وبالتأكيد فأنا لست ضد أن تكون هناك ممنوعات أو محظورات لتنظيم شئون الحياة مثلما يحدث في كل بلاد العالم، ولكن مع الممنوعات لابد أن تكون هناك ثقافة إحترام القانون، والأهم أن يحترم واضع القانون نصوص القانون نفسه!.
واذا كنا نريد أن نكون شعبا ملتزما فعلى من يطالب بالالتزام أن يبدأ بنفسه. فلا يليق أن نطالب سائقي الموتوسيكلات بارتداء الخوذة للحماية ولا يرتديها أفراد الشرطة. ولا يصح أن نطالب الشعب بعدم الانتظار في مكان ما ويأتي مسئول أو موظف كبير ليركن سيارته بكل بجاحة، ولا يجب أن نطلب من المسافرين عدم التدخين في المطار بينما يدخن كل الضباط وأفراد الشرطة تحت لافتات عدم التدخين.
ونحن لدينا من الممنوعات اللا معقولة ما لا يمكن تنفيذه، ببساطة لأن الدولة لم توفر بديلا آخر مثلا: ممنوع سير سيارات النقل الا ليلا.... طيب كيف لهذه السيارات أن تستلم البضائع من المصانع وكيف توردها لأماكن التسليم؟
مثلا: ممنوع استعمال المصعد لغير العاملين.. طيب كيف يصعد الي الأدوار العليا أصحاب المصالح من الجمهور؟
ومثلا: ممنوع توصيل المسافرين بشنطهم أمام باب صالة السفر،.. طيب المسافر يمشي بشنطته نصف كيلو حتى تنقطع أنفاسه؟
وممنوع دخول المستقبلين داخل صالة الوصول في المطار.. طيب هل يجلسون على الرصيف في انتظار القادمين؟!
مثلا: ممنوع ركوب المترو بحقيبة سفر.. طيب القادمين بالقطارات أو وبالمواصلات من الأقاليم للقاهرة.. ماذا يفعلون بحقائبهم؟!
ان كل من يقرأ هذه الممنوعات قد يظن أننا نعيش في مجتمع قمة في الالتزام والنظام، بينما في الواقع نحن نعيش في مملكة الفوضي و اللا نظام، والسبب الوحيد والأوحد هو: انعدام التعليم!! ففي مناخ الجهل لا يملك صاحب القرار إلا اصدار قرارات المنع والحظر. ومن ينفذ التعليمات أيضا هو فاقد للتعليم والوعي ولا يفهم أسباب المنع، كما يرى المواطن بعينيه أن من أصدر التعليمات لا ينفذها والمسئول عن تنفيذها لا يطبقها، والنتيجة واضحة أمامنا: شوارع فوضى و مؤسسات مهلهلة و غارقة في الروتين العقيم، ومدن جديدة أخذت شكل العشوائيات وعشوائيات ظهرت فيها ناطحات سحاب، وطرق امتلأت بلافتات إعلانية دور ودورين ومولدات كهرباء وخزانات سولار تحت كل يافطة تهدد الأمن الناس، ومطبات صناعية غير مقننة تدمر السيارات، وقمامة علي جانبي الطرق السريعة واتوبيسات المصالح والشركات والبنوك تغلق الشوارع الرئيسية يوميا من الثانية حتي الرابعة ظهرا منتظرة خروج آلاف الموظفين، وشوارع تغلق للصلاة يوم الجمعة و مصليات تقام على الأرصفة، وجراجات تتحول لكافيهات، وكافيهات تحتل أماكن انتظار السيارات، وصيادلة يشخصون الأمراض و يصرفون الدواء، ومقاولون يعملون كمهندسين ويبنون مبان مخالفة تسقط بعد سنوات، وأراض زراعية تحولت لعشوائيات بالطوب الأحمر، أبقار وماعز تلتهم حشائش الحدائق..إلخ وكل هذا في بلد المحظورات والممنوعات!.
وقبل أن يفكر أي مسئول في قرار المنع، عليه أولا أن يشرح الأسباب ولابد أن يقتنع الناس، والقضاء على الجهل يسبق المنع، واذا أردنا أن ننهض فلابد أن نعطي التعليم حقه ليس في بناء مدارس ولكن في بناء المعلمين أولاً وبناء عقول تفكر وتبتكر، وعلى الدولة أن تدفع التعليم الخاص لنشر الوعي بين الأطفال وأن تدعم المدارس والإرساليات العريقة التي لا تسعي الي الربح وتمكنهم من استقدام خبراء ومربين ومدرسين من الخارج. وعلى الدولة أن تفتح مجددا المجال للبعثات الخارجية لمن يستحقها و ليس لمن يملك واسطة، وعلى وزير التربية والتعليم أن يجري تقييماً شاملاً لما لديه من المدرسين واذا اتضح ان ٩٠٪ غير صالح، فليذهبوا إلى بيوتهم ويأخذوا معاشهم فهذا أوفر وأفضل من التدمير المنظم الذي يمارسونه بحق الأجيال القادمة.
وعلى الدولة أن تعيد النظر في "مجانية التعليم للجميع" حتي الجامعة. مجانية التعليم من الابتدائي حتي الثانوي فقط لمن ينجح و ليس للجميع،أما الجامعة المجانية فهي فقط للمتفوقين، ويجب التوسع في فتح المعاهد الفنية والحرفية لمن لم يتمكن من دخول الجامعة فنحن لا نحتاج المزيد من خريجي ليسانس الآداب ..علم نفس والجغرافيا، ولا نحتاج الي أطباء لا يصلحون حتى لاعطاء الحقن، ولكن ما نحتاج اليه فقط هو الصانع الماهر والحرفي الشاطر الذي أصبح هذه الأيام عملة نادرة.
مصر تحتاج الي جامعات تنتج ما يحتاجه السوق وليس لانتاج خريجين يحملون شهادات لا قيمة لها ولا تصلح حتى للتعليق على الحائط. نحن نحتاج إلى قليل من المنع و كثير من تطبيق القانون. قليل من الأمن و كثير من السياسة. قليل من مظاهر التدين الكاذب وكثير من العلم النافع.
وكم كنت أتمني أن تكون أول طوبة في العاصمة الادارية الجديدة، توضع في مجمع للمدارس والجامعات على مستوى عالمي و لكن كانت أول طوبة لبناء أماكن الصلاة والوضوء وكأن ما ينقصننا هو المسجد و الكنيسة . ان العلم والتعليم والوعي والثقافة هو الطريق الصحيح لبناء الأمم القوية الناهضة، وهو الطريق السليم إلى.. الله.
التعليقات