خط الدفاع الأول

الأخبار الطيبة هى أن شهرى يناير وفبراير الماضيين شهدا ارتفاعا ملحوظا فى معدلات السياحة فى مصر. كل من أذاع الأنباء حذر من المبالغة فى التفاؤل، فمازال لدينا طريق طويل لنقطعه ليس لكى نصل إلى المعدلات التى كانت موجودة قبل عهد الثورات (١٤ مليون سائح)، أو حتى بعد ذلك العهد ولكن قبل سقوط الطائرة الروسية (١٠ ملايين سائح تقريبا)، وإنما لكى نصل إلى معدل معقول نستحقه فى ظروف صعبة. لماذا أتت هذه الأخبار السعيدة رغم التحفظات؟ قيل الكثير فى الإجابة، فكانت أن أحداث تركيا من إرهاب وانقلاب جعلت مصر أكثر إغراء، وقيل إن تدهور سعر الجنيه المصرى جعل مصر دولة رخيصة فأصبحت غاية لسائحين فقراء، وقيل إنه وسط ما يجرى فى العالم كله من اضطرابات باتت مصر آمنة، وفى كل الأحوال من يستطيع فى الدنيا أن يتغلب على السحر المصرى، خاصة بعد الاكتشافات الأثرية الأخيرة؟

أيا كانت الأسباب، فإن النتيجة توحى بأننا نبدأ فى جنى نتائج الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة، وأن الاقتصاد المصرى آخذ فى التكيف بعد فترة صعبة من المعاناة، وكما يقال فإن أول الغيث قطرة. ولكن القطرة تجف سريعا إذا لم نحافظ على قوة الدفع التى أتت بها فى المقام الأول، وفى مثل هذه الحالات فإنه ما لم نواصل الإصلاح وندفع به طوال الوقت، فإن التراجع يصير سريعا، عند أول حدث إرهابى، أو ظرف ما سياسى أو اقتصادى يفرض علينا أمورا لا نحبها. وفى الحقيقة فإنه لا يوجد لدىّ ما أنصح به العاملين فى قطاع السياحة، فأهل مكة أدرى بشعابها، وربما فإن نصيحة قد تكون مفيدة بالكف عن الشكوى والأنين وبدء العمل. كما لا يوجد لدىّ ما أنصح به الحكومة التى تقوم بالإصلاح، ولابد أنها تعرف أهمية قطاع السياحة بحيث تجد أن خنقه بالأمور البيروقراطية سوف ينهى محاولاتها الإصلاحية. ولكن لدىّ نصيحة لابد منها لكل الدولة المصرية وهى أن السائح يحب الدولة التى تحبه، وتعبر له عن هذا الحب دون أن تخنقه فى نفس الوقت. وللعلم فإن السائح لبلادنا يعرف أننا فقراء، وهو يعلم تواضع مواردنا العامة، وأكثر من ذلك فإنه يجد لدينا مزايا كثيرة جعلته يأتى لزيارتنا فى المقام الأول.

كل ما يريده السائح أن يحظى بالاحترام الواجب، والحد المعقول من النظام والنظافة. وأخشى ما أخشاه أن خط الدفاع الأول لمصر أمام الهجمات التى جرت على السياحة يبدأ من مطار القاهرة وباقى المطارات المصرية المستقبلة للسائحين. هذا الخط يتعرض للاهتزاز فى اللحظة التى تطأ فيها رجل السائح أرض مصر عندما ينزل من الطائرة، لأنه سوف يجد فورا شخصا أو شخصين فى حالة من الزعيق بأسماء ما مسبوقة بكلمة المهندس أو الدكتور أو الحاج دلالة على الاحترام والتقدير. هؤلاء بالتأكيد ليسوا شخصيات رسمية جاءت إلى مصر فى مهمة جليلة لأنه فى هذه الحالة فإن الشخص المذكور سوف تقترب منه شخصية مهمة وتأخذ بيده إلى باب جانبى ينزل منه لكى يجد سيارة سوداء تأخذه إلى مهمته. أما هؤلاء المنادى عليهم فلابد أن لهم ظهرا، ما يجعلهم متفوقين على من لا ظهر لهم سوى الدولة المصرية، وفى مقدمتهم السائحون الذين تصدمهم هذه الدرجة من التمييز فى الوهلة الأولى. المعضلة تتعقد أكثر حينما يجد السائح أن كلمات علامات منع التدخين تتناقض فورا مع تلك الرائحة الدالة على أن التدخين ذائع وبشدة. وبينما يستمر السائح على الطريق فى الاستماع إلى هؤلاء المطلوبين المتميزين، فإنه سوف يجد فى دورات المياه صدمة حضارية من الطراز الأول تجعل أول الفاتحة فى زيارة المحروسة أزمة نفسية. المسألة ببساطة أن لدينا أزمة عامة مع دورات المياه فى المؤسسات العامة جعلت جميع المديرين يخصصون لأنفسهم دورة مياه خاصة بهم يحملون مفاتيحها. ولكن وجود هذه الدورات فى المطارات بهذه الحالة التى عليها، والشخصية الواقفة على بابها حاملة قطعة من الورق فى ناحية مع نظرة تنتظر مكافأة على الناحية الأخرى، ليست مشجعة على السياحة.

يجب أن أسجل أن السادة العاملين فى المطارات ومطار القاهرة الدولى بصفة خاصة يتميزون بحسن الخلق والاستقبال للسائحين والعائدين من المصريين. ولكن لابد من التسجيل أيضا أن مطاراتنا «ليس لها صاحب» بحيث إنه من الصعوبة بمكان ساعة الأزمة، وهناك فى مجال الطيران أزمات كثيرة، فإنك لن تعرف أبدا على وجه التحديد من المسؤول إلا بعد وقت طويل يكون السائح قد فقد فيه طائراته التالية إلى مواقع مصر السائحية فى جنوب مصر أو على سواحلها، ومعها ربما حقائبه أيضا. كل ذلك ليس صعبا معالجته، وكل ما نحتاجه أن تكون هنا هيئة واحدة لها السلطة الكاملة فى إدارة المطار من أمنه إلى نظافته إلى تنظيمه. والاقتداء بمطارات العالم الأخرى ربما يكون عين الحكمة ذاتها، فالاعتقاد أننا حالة خاصة يقفل كل الأبواب لأسباب غير معروفة، وجعل العربات تصل إلى بوابات السفر ولكن منعها مع بوابات الوصول ليس أمرا محمودا، وما لا يوجد فى مطارات العالم الأخرى لن يكون حكيما فى مطاراتنا، وعلى الأرجح أنه سوف يكون مضرا بالسياحة. أيها السادة مطار القاهرة الدولى هو خط الدفاع الأول عن السياحة المصرية التى تحتاج إلى المساعدة هذه الأيام.

 

التعليقات