فيلم الفنان عمرو خالد !

هذا المقال نشر قبل سنوات فى "أخبار الأدب" ظهر أمامى فجأة .. وأعيد نشره مع تحية واجبة للأرواح الطيبة التى ورد ذكرها من اهل قريتى رحمة الله عليهم.. وبالطبع الأستاذ الكبير الراحل جمال الغيطانى الذى نشره
قبل سنوات، ومع بداية عصر الدعاة الجدد، ذهبت بصحبة اصدقاء إلي مولد
سيدنا الحسين، ودعوتهم إلي "خدمة"أهل قريتي عند "الباب الاخضر"،
والاستماع إلي الشيخ عبدالمعبود صاحب الحس الصوفي الريفي في الذكر (وهو
حالة تفتقد إلي جدية ياسين التهامي ولكنها في رأيي أكثر صدقا). جلسنا علي
الأرض، وأكلنا وشربنا القرفة في انتظار الكهرباء التي كانت مقطوعة بصحبة
الاستاذ جلال البدوى رجل التعليم الوسيم صديقي وابن قريتي هورين وجاري فيها، وكان
الحوار بيننا حول الدعاة الجدد، فحكي لي ولمحمد شهدي ومحمد الجبيلى ورسمى سلامة بعيدا عن الآخرين
حكاية بسيطة قد تصلح مدخلا للكلام في الموضوع.

كان الاستاذ جلال أحد أبطال حرب اكتوبر، وشاء حظه السيئ أن يحاصر وهو
ومجموعة صغيرة من الجنود في مكان ما في سيناء، في "دشمة" تعبر من فوقها
الدانات والقذائف بين طرفي المعركة بشكل متقطع، لايوجد هناك طعام وأوشك
الماء علي النفاد، وأثناء حصارهم تدربت حواسهم علي تفادي المخاطر. فقد
ايقنوا أن الدانة التي تعبر فوقهم اذا توقف صوتها فجأة، فهذا يعني أنها
ستسقط فوقهم أو بالقرب منهم، فينبطحون علي الأرض، وفي وسط هذا الهلع
اكتشف أحدهم علبة حليب مجفف مما تركه الأعداء الفارون، وهذا يعني أنهم لن
يموتوا من الجوع في الفترة القصيرة المقبلة، وببقايا الماء وبأقراص
الكحول المدمج راحوا يعدون الحليب، وعندما أوشك علي الغليان مرت "دانة"
من فوقهم وتوقف صوتها، فانبطحوا علي الأرض وأعينهم علي اللبن الذي تشربته
الرمال، وبالفعل سقطت الدانة علي مقربة منهم.
فما كان من الاستاذ جلال الا الوقوف غاضبا، وتجاوز الحدود في حديثه إلي
الله، وراح يقذف السماء بالحجارة، ويسأل: هل نحن يهود نحارب مسلمين؟!!
بعد أيام وقع هو وزملاؤه في الأسر، وعندما عاد إلي قريته بعد تبادل
الأسري لم ينم أياما، لشعوره أنه أخطأ في حق الذات الالهية، ولم يسترح الا
بعد ان التقي الشيخ عبدالغني الزير امام أقدم مساجد قريتنا (مسجد سيدى حسين المغربى)، رجل أزهري فلاح،
يصلي بالناس خمس مرات في اليوم، ويفلح أرضه في الوقت نفسه وجارنا أيضا،
حكي الحكاية للشيخ الذي كان يسمعها ويضحك، ضحكا ظن الاستاذ جلال في بداية
الأمر انه سخرية منه، بعد قليل ربت الشيخ علي ظهره وقال له وهو مبتسم
"ياعبيط..دا كان عامل فيك "مغرز'" (مقلب)، وكان يعلم وهو علام الغيوب رد
فعلك، ويعرف ان معدنك طيب، بدليل انك في "قرارة نفسك" تشعر بالذنب.. وهو
غفور، ورحيم "امشي بقي علشان أجيب البهائم قبل صلاة المغرب"، كان الاستاذ
جلال يظن ان وجه الشيخ سيكفهر، وأنه سيطالبه بصيام عدة أيام تكفيرا عن
ذنبه ولكنه اكتشف ان الموضوع أبسط، ولايحتاج فتوي، ومن ساعتها ورجل
التعليم الكبير مشدودة روحه بآل البيت ومساحة السماحة التي يمنحها الدين
الحنيف لعباد الله..
والامام علي قسم الناس إلي ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم علي سبيل نجاة، وهج
رعاع أتباع كل ناعق (والناعق هو الذي يهرف بما لايعرف) مثل الاستاذ عمرو
خالد 'الوكيل المصري لمشروع تحسين صورة الاسلام' والذي اختارته التايم
الامريكية مؤخرا ضمن 100 شخصية مؤثرة في العالم مثله مثل الملك عبدالله
العاهل السعودي وراؤول كاسترو وعلي خامئني ووزيرة خارجية اسرائيل تسيبي
ليفني وبراد بيت وجورج كلوني، وقبل عامين اختارته 'النيوزويك' ضمن أهم 40
شخصية وهو الشخص الذي أعجب به هنري كيسنجر.

تتميز ملامح عمرو خالد بأنها بلا ملامح، وجه طويل، شارب تشعر انه لصقه
للتو قبل صعوده إلي المسرح لتمثيل دور رجل ثقيل في مسرحية ليونسكو، صوت
"يضرس (بتشديد الراء وفتحها) وشعر مستعار أفتي  القرضاوي بأنه حرام'
اشترطت السيدة صفاء أبوالسعود أن يضعه لستر عورة جمجمته قبل أن يظهر علي
'آرت' القناة التي جعلته عنوانا لزمن جديد، أسهل ما فيه صناعة نجم
للترويج من خلاله عن الكوكاولا أو الوهابية أو للاستسلام.. وجد مدخلا
شبابيا أعجب شباب طبقة ما بعد الخليج، أعضاء النوادي الكبيرة، اولئك
الذين علمهم أهلهم في مدارس أجنبية وأدخلوهم جامعات خاصة، وينفقون عليهم
بعد تخرجهم، شريحة تعاني من الفراغ وتشعر بخيبة أمل، لانهم لم يصبحوا
أمريكان وغير مبسوطين مع ابناء الشرائح الأقل دخلا من المصريين ولاتوجد
لديهم نية للسفر مثل آبائهم إلي الخليج، هذه الشريحة الهشة هي التي صنعت
نجومية عمرو خالد لانه اكتشف فيها ضحالة تؤهله للكلام بثقة في مواضيع
يجهلونها، في برنامج 'ليالي رمضان' 1422 قال ان موسي نبي الله استسقي
فقال الله له اضرب بعصاك الحجر، فقال يارب أنا أريد المطر فقال الله
ياموسي 'خل عندك ثقة'.. هذه الطريقة في الحكي تتسق مع اللحظة التي انتخبت
'نموذج' الداعية 'الكاجوال'.. الذي يتحدث بحرية لانه بعيد عن السياسة،
ولأنه يلعب في المضمون، لقد تحول عمرو خالد إلي 'نجم' تتحدث زوجته مثل
زوجات الممثلين والمغنين سألتها مجلة أسرتي: إلي أي مدي تري الدكتورة علا
أن الناس يحسدونها علي زوجها الاستاذ عمرو؟ أجابت: في الحقيقة لا أضع هذا
الموضوع في اعتباري كثيرا، والأسوأ في الأمر أن ذلك كثيرا ما يكون أمامي
وأسمعه بأذني.. ولكني أسأل الله لهم الهداية..
وصار الزوج موجودا في الصفحات الفنية أكثر من وجوده في الصفحات الدينية،
وخصوصا بعد أن غير شخصية تامر حسني، وبعد أن كسر زجاجات الخمر التي كانت
في بيته، وجعله يستعد للغناء الديني ومن الآن لن تظهر فتيات في 'كليباته'
تامر حسني الذي تهرب من الخدمة العسكرية وخرج من السجن قبل أتمام
العقوبة.. ليغني في احتفالات أكتوبر.
لقد نجحت الفضائيات الوهابية من سحب البساط من تحت اقدام رجل الدين
الأزهري التقليدي، وتحاول أن تصنع نجوما في تلاوة القرآن اصواتهم صحراوية
يختلفون عن نجوم التلاوة المصريين العظام، لايريدون النموذج الريفي الطيب
الذي مثله الشيخ عبدالغني الزير، رحمة الله عليه، النموذج الذي يلتمس
الأعذار للآخرين بانسانية أقدم من نزول الديانات، النموذج الضروري في بلد
قديم مثل مصر.
أما اهتمام الغرب بنموذج عمرو فله أسباب أخري، بعيدا عن الخطاب المعتدل
وجسارة الذهاب إلي الدنمارك.. لقد قال في قناة 'اقرأ' مساء الجمعة 10
مايو 2005 ان النبي داود وبأمر من الله هو الذي بني المسجد الأقصي، وقد
بناه مكان رجل يهودي، ثم جاء النبي سليمان ليكمل بأمر من الله أيضا.
ليؤكد بذلك زعم اليهود بوجود هيكل سليمان تحت المسجد الاقصي وهو الزعم
الذي لايوجد له سند في التاريخ أو الواقع.. هذا 'التطجين' أعجب الصحف
الاسرائيلية وراح التلفزيون هناك يبثها علي المشاهدين.. من باب 'وشهد
شاهد من أهلها'
نحن أمام شخص رضي عنه الاسرائيليون والامريكان والسعوديون وصحافة الاثارة
وتعمل له السلطة في مصر ألف حساب، شخص يخطيء في اللغة العربية، يشبه صوته
الشريط 'السافف' السريع، السرعة التي تجعله يقول 'صلم' بدلا من صلي الله
عليه وسلم.. شخص أصبح يقول أنا أنا أنا، يري نفسه ناجحا، في حواره إلي
المصري اليوم 21 مايو 2007 قال انه صار خبيرا بالغربيين ويستطيع ان يعرف
اذا كانت ابتسامتهم صفراء أم حقيقية وقال بالنص 'لا أريد المبالغة.. انني
غيرت أمريكا'.
( من ارشيف مقالات أخبار الادب )

التعليقات