عام 2020.. ليس ببعيد
تحدث الناطق الرسمي باسم الرئاسة في مصر السفير بسام راضي قبل بضعة أيام عن نقلة حضارية وثقافية كبيرة عام 2020، والموعد المحدد لا يتجاوز العامين، ما يعني أنه ليس ببعيد، وما يعني أيضًا أن تكون الترتبيات تتناسب مع حجم الأمنيات.
تصريحات راضي جاءت عقب اجتماع للرئيس عبدالفتاح السيسي ضم عددًا من كبار المسئولين، والذي جرى فيه استعراض آخر المستجدات الخاصة بمشروع المتحف المصري الكبير؛ المقرر افتتاحه عام 2020، ومشروع تطوير هضبة الأهرامات، ومشروع تطوير طريق الكباش، وترميم قصر البارون، والمتحف اليونانى، والمعبد اليهودى بالإسكندرية، بالتزامن مع افتتاح المتحف القومي للحضارة المصرية، ومنطقة عين الصيرة بعد تطويرها، ومدينة العلمين الجديدة، والافتتاح الرسمي للعاصمة الإدارية الجديدة التي سيتم بدء نقل الوزارات إليها فى عام 2019؛ بحيث تشهد مصر خلال عام 2020 نقلة حضارية وثقافية كبيرة.
هذا الأمر يستهدف ليس فقط الشكل وإنما روح مصر.. لطالما ناشدنا عربة تجر القطار، وكان هذا باستمرار في صورة "المشروع القومي" للنهضة، والذي مرت به مصر عبر مراحل تاريخية متعددة، وبصور شتى.. إلى أن وصلنا إلى مشروع عبدالناصر القومي العربي، وما صاحبه من مشروعات اجتماعية واقتصادية، وما تحقق منها في خطوات عملاقة نحو إقامة صناعة وطنية كان لها أن تتطور أكثر لولا المكاسب الضيقة التي وأدتها، ومن بينها مشروع السد العالي، الذي كان حلمًا فخاطرًا فاحتمالا..
ولا يمكن أن ينفصل ذلك عن مشروع مصر للتنوير، والذي كان يجر البلاد في مطلع القرن الماضي نحو الاستقلال السياسي والاقتصادي، والثقافي والاجتماعي، والفني.. ولا يمكن فصل الأمر عن مشروع تمصير البلاد أو الإيمان بقدرة المصريين، والذي تمثل في ثورة عرابي ورفاقه، ونستطيع أن نعود بالسلسلة إلى مشروع التحديث الجامح للخديو إسماعيل برغم إغراقه البلاد بالديون، ومشروع قناة السويس برغم أي مآخذ، ومشروع التحديث الذي قاده محمد علي... إلخ..
كل هذا الالتزام بالمحاولات للخروج من العثرات التي تأذى منها المصريون، أدى إلى نجاحات وإخفاقات، ولكن الإصرار على النهوض من جديد هو أحد سمات الشعوب التي لا تموت..
إذن النقلات الحضارية والثقافية ليست جديدة على المصريين، ولطالما نجحنا في تحقيقها، لكن المشكلة هي دائمًا في الحفاظ على ما تحقق منها.. فالحضارة لا تقوم فقط على البناء؛ وإنما على التراكم الزمني والمعرفي أيضًا، وعلى الاستمرار والإضافة، وليس النقض والهدم أو التشويه، وصولا إلي الثروة في البشر والحجر.
ولا يمنع ذلك أن تكون هناك في كل فترة زمنية مفصلية قاطرة لشد الجسد الراكد، وتحفيزه، ولكن عدوى الجاذبية والشد ينبغي أن تصل إلى كل عربات القطار، وأن ننفض عن عجلاته الغبار والصدأ، وأن يكون إيماننا بالنهضة دائمًا وليس موسميًا.. ففكرة "الرئيس سيمر من هنا" فكرة متخلفة، أي رئيس، حتى ولو كان رئيس حي، ونحن نصر عليها، ولن نصبح بلدًا جديرًا بهذا الاسم، سوى بتغيير هذه العقيدة الآثمة.. يجب أن نكون جاهزين، بآليات وطرق محددة، لمرور أي أحد من هنا، ويكون المكان نظيفًا وحضاريًا ومتطورًا.. ويجب أن نعمل كل ما بوسعنا في سبيل ذلك الأمر..
فليس منطقيًا أن نشيد المتحف المصري الكبير الذي بدأ العمل فيه منذ 15 عامًا، ونهمل المناطق المحيطة من حيث النظافة والرقابة واستغلال زوار المكان من المصريين والعرب والأجانب.. لقد سعت الحكومة المصرية - وعلى عهد وزير الثقافة فاروق حسني - لتحديث منطقة نزلة السمان والتي ندلف منها إلى ساحة أبو الهول، وفشل المشروع، السبب ضعف الدولة وقتذاك، ومجاملة رجال الأعمال وإملاءات المواسم الانتخابية..
وتبقى نزلة السمان التي من أجمل مناطق مصر في قبضة التخلف والبلطجية وإمبراطوية التوك توك والبازارات وبعوض ترعة المنصورية والشحاتين ومخالفات البناء بترخيص ومن دون ترخيص.. فيأتي إليها الزائر من المصريين والعرب والأجانب ليقسموا على عدم العودة مجددًا، لم تكن كذلك نزلة السمان، إنما تركت لتستفحل فيها المخالفات، وتتسع إلى عدم القدرة علي علاجها، والمخالفون يعرفون ذلك جيدًا، ويلعبون عليه، لإرهاق الحكومة في الأوقات الطبيعية، والعبث بها في الأوقات الصعبة، مثل الانشغال بالانتخابات أو الثورات أو الفوضى.
التحديث يحتاج إلى عيون ساهرة ومتابعة في كل الأوقات ورقابة وقواعد بيانات حقيقية بالأرقام والصور لكل المناطق والشوارع والمنازل والمناطق الخضراء، وأي عبث فيها يجري تجريمه وليس تمريره، وأن ينظر مجلس النواب في إلغاء "التصالح" في المخالفات في البناء والاعتداء علي الأراضي، لأنه "تصالح" على مستقبل أمة.. لو علم المخالف أن ما أحدثه خارج القانون سيشطب من على وجه الأرض، ما قام بالمخالفة.. ثم أن مخالفات البناء على الأرض الزراعية وغيرها، وما يحيط بطريق المحور نموذج، تخرج لسانها للمسئولين المارين على المحور وما أكثرهم؛ فهي تتم يوميًا، وتعطي فكرة للناظرين أن الدورين أو الثلاثة المقامة مؤهلة لارتفاعات أكثر، ويظهر ذلك في أعمدة الحديد المسلح؛ كأنها إيريال تليفزيون قديم، أما ما يهدم منها فهو قليل، يتم إحداث شرخ في جانب منه، من قبل الحي أو المحافظة، ثم يترك كما هو لاستكماله في يوم آخر..
عام 2020 ليس ببعيد، وواجب على الحكومة والأحياء والرقابة أن تفعل كل ما في وسعها لنصل إلى ذلك العام بترتيبات تجعل مما سنشاهده فيه بلورة قوية لمشروع نقلة حضارية وثقافية كبيرة.
(الأهرام)