جمعة «سوداء »مباركة

قال ابن الحكيم لأبيه الحكيم ذات يوم: «يا أبتى، أنت حكيم الحكماء وعالم العلماء وكبير الكبراء، فهل لك أن تعلمنى الهيافة حتى أكون مرجعًا للآخرين ونبراسًا للأجمعين؟!». فكر الحكيم مليًا، ثم تململ قليلًا وتفكر كثيرًا قبل أن ينطق بالحكمة قائلاً: «يا بنى، إن أنت أردت بالفعل أن تتعلم الهيافة، فتعالى فى الهايفة وتصدر».

وقد تصدرت أخبار «الجمعة البيضاء» العناوين، وأثلجت صدور الغيورين على الأمة والمدافعين عن الدين والدارئين خطر محاولى تفتيت الإيمان.

وقد آمنت قبل وقت ليس بالقليل بأن الغالبية المطلقة من الموضوعات التى تستدعى الهرى ما هى إلا تفاهات لا تخلو من سخافات مع رشة حس تآمرى مع «تتش» جنونى. الـ«تتش» الجنونى المشار إليه هو ذلك الهاجس الذى يجعل الفرد مؤمنًا بأن العالم أجمع يتربص به وأن الكون كله لا يدور إلا حوله وأن الإدارة الأمريكية والرئاسة الفرنسية والملكية البريطانية ومعها بقية دول الاتحاد الأوروبى تستيقظ من نومها صباحًا لتخطط فى كيفية النيل من العالم الإسلامى.

وقد توصل العالم الإسلامى إلى حل عبقرى ومخرج لوذعى أنقذ الأمة من خطر داهم وتهديد فاجر كاد أن يوقعنا صرعى «الجمعة السوداء». ولولا ستر ربنا، مع جهود الملايين فى الذود عن الدين وحماية المسلمين، لوقعت المنطقة برمتها فى قبضة هذه الجمعة الفاجرة التى سميت بـ«السوداء» لتنال من جمعتنا المباركة. وقد طالعت عددًا من الجهود التنظيرية والأفكار الخزعبلية التى خرجت على الأمة نبراسًا تسير على هديه يفيد بعضها أن تسمية «الجمعة السوداء» كانت خطة إمبريالية استعمارية صليبية للتأثير سلبًا على الأمة وإلحاق الضرر بها وتحويل يوم الجمعة من مناسبة لتبادل ملايين التهانى بـ«جمعة مباركة» على «واتس آب» (هذا الابتكار الغربى الكافر) أو على متنى «فيسبوك» (هذا الاختراع الاستعمارى الداعر) أو من خلال رسالة تستحلفك بالله أن ترسل «جمعة مباركة» إلى عشرة من معارفك على «مسنجر» (تلك التقنية الملحدة التى لا دين لها)، إلى جمعة «سوداء».

وقد قرأت ضمن ما قرأت تنديدًا لا يخلو من تهديد بأن اللون الأسود لا يليق بجمعتنا المباركة، ولذلك فإنها ستكون «جمعة بيضاء». والحقيقة إننى تلخبطت قليلاً وفكرت كثيرًا! فإذا كان اللون الأسود محمودًا فى ملابس المنتقبات، وكلما اشتد سوادًا اشتد الإيمان واقتربت الجنة، فكيف يكون اللون نفسه مذمومًا لهذه الدرجة ومكروهًا بتلك الطريقة التى شغلت العالم الإسلامى ليجد من يوم التنزيلات المسمى بـ«الجمعة السوداء» مخرجًا؟

وقد خرجت من هذه الحالة واطمأن قلبى حين عرفت أن «الجمعة السوداء» ما هى إلا اليوم الأول للتسوق فى موسم الكريسماس، وهو اليوم الذى يلى العطلة الرسمية الأمريكية فى مناسبة عيد الشكر والذى جرى العرف على الاحتفال به فى الكنائس لشكر الله على موسم الحصاد. فدعوت للحكيم وتمنيت لابنه الصحة والعافية ورجاحة العقل.

 

التعليقات