السينما بتتكلم مصرى !
مقدمة لابد منها إلى هؤلاء الذين يكيلون الفن بالكيلو ويتساءلون لماذا يسند المهرجان عضوية لجنة التحكيم لمخرجين فى مقتبل العمر ورصيد كل منهما لم يزد على فيلم واحد روائى، الأول محمد حماد فى مسابقة (أسبوع النقاد الدوليين)، والثانى أبوبكر شوقى فى (آفاق السينما العربية)؛ حماد (أخضر يابس) وأبوبكر (يوم الدين)؟ أقول: كل منهما شرّف السينما المصرية بالجوائز، العلم لا يُقيَّم بـ(البتنجان)، والفن كذلك، والعدد وكما تعلمون (فى الليمون)، أهم مخرج عربى من خلال استفتاء أجراه مهرجان (دبى) قبل نحو 5 سنوات هو شادى عبد السلام، بعد أن احتل (المومياء) المركز الأول وهو الفيلم الروائى الوحيد لمخرجه، لا أدعى أبدا أن أبوبكر وحماد وصلا إلى مكانة شادى، ولكنى أتحدث عن مخرجين يملكان موهبة استثنائية، فاستحقا تلك المكانة الاستثنائية.
بالصدفة، الفيلمان اللذان يمثلان السينما المصرية فى مسابقتى (آفاق) و(النقاد) عرضا تباعا أول من أمس ليصبح يوما مصريا بامتياز.
كل منهما العرض العالمى العرض الأول للفيلم، وهو أيضا أول الأفلام الطويلة، أتحدث عن أحمد مجدى الذى أتابعه كممثل موهوب فى العديد من الأفلام التى دأبنا على وصفها بالمستقلة، شارك هذه المرة كمخرج بفيلمه الروائى (لا أحد هناك)، فى قسم (سينما الغد)، الثانى أمير الشناوى بفيلمه التسجيلى الأول (الكيلو64) فى قسم (آفاق السينما العربية).
من المهم الإشارة إلى أن الفيلمين بهما قدر من الخصوصية والذاتية، تصل إلى العمق النفسى مع أحمد مجدى، بينما مع أمير الشناوى فهو يقدم مساحة من التساؤلات تنتقل بين الخاص والعام، عندما يريد أن يحقق نفسه بعيداً عن دراسته كصيدلى، فاختار الزراعة (الكيلو 64) على طريق مصر الإسكندرية، الزمن يتغير، ولكن المعوقات تزداد شراسة، أمير يحاول تحقيق حلم ابيه المجهض قبل 20 عاماً، فقرر الابن المحاولة وكأنه يثأر إلا أن جينات الفشل والروتين فى الدولة تزداد شراسة، فهى تبدو كشجرة ضاربة بجذورها فى العمق من الصعب اقتلاعها، حافظ المخرج على المتعة فى تناوله السينمائى، وأن ينتقل بسلاسة من موقف إلى آخر، وتخلص تماما من آفة أفلامنا التسجيلية وهى سيطرة روح (الريبورتاج )، إننا بصدد فيلم بحق وحقيق، يقوده مخرج أراه واعدا.
عرض أيضا الفيلم الروائى (لا أحد هناك) لأحمد مجدى منافساً على جائزة (النقاد)، عمق الفيلم هو أن هذه الأرض أيضاً غير قادرة على الإنجاب وما تُقدمه لنا مشكوك فى هويته وجيناته ونسبه، ولهذا يصبح الحل هو الإجهاض.
تجد هذا العمق قائما مع تلك الحكاية التى يرويها أحمد مجدى لأصدقائه لماذا لم يعد يقرأ الجرائد وحدد الزمن بعشرين عاما، بحكاية الزرافة الأنثى فى حديقة الحيوان التى كانوا يبحثون لها عن ذكر فى الإسكندرية، ليس مهما أن يكون لتلك الواقعة ظل من الحقيقة، تتعدد التنويعات التى يقدمها المخرج للمرأة التى تضطر للإجهاض والثانية التى تشك فى حملها، حتى الزرافة تحمل فى الحرام برغم موت الذكر طبعاً، تلك سخرية ينهيها المخرج بعربة نرى فيها الزرافتين بعد الموت، والطبيب الذى يلقى بالأجنة فى التراب، المساحة الدرامية كانت بحاجة لتكثيف أكثر، فهو أقرب لفيلم روائى قصير طال أكثر مما ينبغى.
أحمد مجدى مشروع قادم لمخرج يملك القدرة على ضبط الجو العام، وتوجيه ممثليه، كان عليه أن يُحلّق لآفاق أبعد بفكرته!!.
(المصري اليوم)