«ورد مسموم».. واقعية غليظة يعوزها السحر!

انفعل حسن، 4 سنوات، حفيد محمود حميدة، وابن المخرج الشاب أحمد فوزى صالح، بعد نهاية عرض الفيلم قائلا لوالده: (ضيعت وقتى الفيلم وحش)، بالطبع لو سألته عن (جده) ستأتى الإجابة عشان خاطره شُفت الفيلم.

(ورد مسموم) هو الابن الشرعى للفيلم التسجيلى الطويل (جلد حى)، شاهدته قبل 7 سنوات فى مهرجان (أبوظبى)، وحصل على جائزة خاصة، حمل الفيلم اسم فوزى كمخرج واعد، عاش بعدها أكثر من مشروع تسجيلى وروائى، أجهضت قبل أن تكتمل، حتى جاء (ورد مسموم).

الاسم موحى بتناقضه المباشر، الورد يحمل فى إطاره الدلالى إقبالا وبهجة وانتعاشا، ونعته قطعا بالمسموم، تغتال فى نفس اللحظة هذا الإحساس.

تذكرت وأنا أشاهد (ورد مسموم) الذى يتسابق فى قسم (آفاق عربية)، نجمنا الرائع محمود حميدة الذى شارك قبل عشرين عاما فى إنتاج (جنة الشياطين) للمخرج الموهوب أسامة فوزى، حيث كان يؤدى دور ميت اسمه (طبل)، وهو الدور الذى رفضه عمر الشريف، ورغم ذلك وفى مهرجان (دمشق) قبل عشرين عاما منحته لجنة التحكيم برئاسة المخرج الكبير كمال الشيخ جائزة أفضل ممثل.

النكتة التى يرددها عادة الفنانون، عندما يريدون التقليل والسخرية من شأن زميل لهم، أنه أدى دور ميت، إلا أنه فى الحقيقة امتلك الحياة من خلال عين أسامة فوزى وتنفيذ مدير التصوير طارق التلمسانى.

إنه السحر الفنى، الذى يخلق من السكون حركة، ويملأ الصمت بلاغة، ويحيل الموت إلى حياة، ومحمود حميدة كان قادرا على تحقيق ذلك مجددا فهو فى (ورد مسموم)، فى يده المفتاح، على شرط أن يشتغل عليه المخرج بعمق درامى وفكرى، ليس باعتبار حميدة ممثلا كبيرا ونجما تسوق الأفلام باسمه، ولكن لأن الشخصية تملك زخما وقدرة على التحليق بعيدا.

الأحداث تجرى داخل هذا المكان، بما تُثيره من ارتباط شرطى بالرائحة الكريهة، كما أن الكاميرا تؤكد ذلك وهى تنقل لنا اختلاط السموم والمواد الكيميائية بالصرف الصحى، البشر الذين يعيشون أو يعملون هناك يدفعون حياتهم ثمنا، بينما أصحاب تلك المدابغ يحققون الملايين.

نُطل على الفيلم بعيون البطلين، أخ وأخت، إبراهيم النجارى يريد الهجرة، وكوكى تتوافق مرغمة مع تلك الحياة، تعودنا البحث عن علاقة الحب، وهو ما عبر عنه المخرج بأكثر من لمحة بدون مباشرة، ولكن الحب أو حتى الرغبة لا تعنى أبدا الجنس، العلاقة من الممكن أن تلمحها، فى حالة التمسك بالشقيق الذى يمثل بالنسبة لشقيقته الصحبة والونس والحياة.

اختيار البطلين كوكى والنجارى يحسب للمخرج، الذى التقطت عينه ما هو أبعد من المتاح بين الممثلين، كوكى شاهدتها من قبل فى (الخروج من القاهرة) مع محمد رمضان، الفيلم قدم علاقة حب بين مسلم ومسيحية، ولهذا واجه قدرا من الرفض الرقابى والأمنى، وتواجدت بعد ذلك فى فيلم (شوق) فى دور مميز، ثم اختفت ولا أدرى كيف ولماذا؟ رغم تمتعها بقدرة فطرية طاغية، كما أن النجارى مشروع ممثل يملك أدواته.

لن تعثر على حدوتة تتابعها، ولكن رؤية بصرية ساهم فى تحقيقها مدير التصوير ماجد نادر، حيث تصبح المياه المنفرة التى تنساب بين كل لقطاته وكأنها معادل بصرى يحقق (لزمة) درامية متكررة، حميدة على الكرسى القديم، كان يسمح قطعا بتحليق إبداعى، السحر لا يتنافى أبدا مع الصدق، مهما بلغت الواقعية أعلى درجات غلظتها وخشونتها.

أحمد فوزى صالح يتمتع بحس تشكيلى ورؤية فكرية، يعوزه السحر، لا يوجد فيلم نُخبة (مهرجانات) وفيلم عامة (جمهور)، الشريط السينمائى حق لكل الناس، وعلى المخرج أن يُفكر كيف يرضى فى فيلمه القادم ابنه (حسن)!!.

(المصري اليوم)

التعليقات