لغز وميض النجومية الذى لم يعرفه أحد!

لماذا يتزاحم الناس فى الشارع الذى أقطن به فى الصباح الباكر على عم (مليم) بائع الفول والطعمية منذ أن بدأ مشواره على عربة يد، بينما لا تجد لهم أثرا يذكر عند البائع الآخر رغم أن محله أكثر اتساعا ونظافة، ويقع فى الشارع الرئيسى، إنها الجاذبية حتى فى أبسط التفاصيل، ولكننا تعودنا على اختصارها فقط فى الممثلين والمطربين. هناك أيضا كتاب نجوم تردد الناس كلماتهم، ربما تجد بالمقياس العلمى من هم أفضل منهم، إلا أنهم كانوا وسيظلون هم النجوم الأكثر وميضا.

سر غامض تلك هى النجومية، مهما حاولت أن تُمسك بيديك أسبابا موضوعية ستكتشف أن ما يسكن تحت السطح أكثر بكثير مما تستطيع أن تراه بعينيك، السينما المصرية مثلا تتحرك وفقا لبريق النجوم، هم البوصلة فى توجه العمل الفنى.

فى كل حقبة نعيشها تظهر نجوم لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية ونفسية وتختفى أخرى لنفس الأسباب، إلا أنه يظل هناك فن الاكتشاف المبكر، هكذا مثلا كان الشاعر الكبير كامل الشناوى لديه تلك اللمحة، ولم يخب ظنه ولا مرة مع كل الذين أضاء أمامهم الطريق، كان لدينا المنتج رمسيس نجيب الذى يجيد الاكتشاف والتلميع، فهو الذى دفع بنجلاء فتحى بطلة لفيلمه «أفراح» بعد أن كانت سعاد حسنى هى المرشحة، ولكنها أرادت زيادة أجرها. كان رمسيس يحرص على توفير كل سبل الدعاية لنجلاء، وتصدرت صورتها واسمها حتى علب «الكبريت»، إلا أن سر سحر نجلاء ليس قطعا مثل وهج احتكاك عود الثقاب بالشطاطة!!.

لكل جواد كبوة، رمسيس نجيب هو نفسه الذى اعترض بعدها على ترشيح أحمد زكى بطلا لفيلم «الكرنك» أمام سعاد حسنى، وقال لهم: كيف تحب سعاد حسنى شابا أسود؟ وهو ما سبق أيضا أن فعلته واحدة من رائدات السينما مارى كوينى، عندما قدم لها المخرج عاطف سالم المطرب الشاب عبدالحليم حافظ ليغنى ويصور تتر فيلم من إنتاجها، أجابته قائلة يغنى نعم، ولكن وجهه ليس (فوتوجينيك)، وسجل عبدالحليم الاغنية، صوتا فقط، وبعد أن حقق النجاح الطاغى سينمائيا بعد (لحن الوفاء) حاولت أن تعرض عليه مضاعفة أجره للعمل معها ورفض، فقررت أن تدفع بكمال حسنى بطلا لفيلم (ربيع الحب) وأحضرت له نفس فريق عمل (لحن الوفاء) شادية وحسين رياض وزوزو نبيل والمخرج إبراهيم عمارة والكاتب محمد مصطفى سامى والملحنين محمد الموجى ومنير مراد، وأضافت عبدالسلام النابلسى وشكرى سرحان. لم تدرك السيدة كوينى أن السر هو وميض عبدالحليم، والدعاية الضخمة التى قادها الصحفى موسى صبرى لكمال حسنى لم تنفذه من الفشل.

النجومية تستند إلى موهبة، هناك موهوبون كبار ليست لديهم القدرة على الجذب الجماهيرى، مثل محمود المليجى وزكى رستم وحسن حسنى، ورغم ذلك عندما نرصد تاريخ فن الإبداع نتوقف طويلا أمام المليجى ورستم وحسنى. الشاعر أحمد فؤاد حداد هو لا شك الأشعر فى العامية المصرية، إلا أن النجومية تجدها عند صلاح جاهين والأبنودى وأحمد فؤاد نجم (الفاجومى).

فى عالم الأصوات الغنائية يمكن أن تلحظ تنويعة مماثلة، محمد قنديل وسعاد محمد، كل منهما يمتلك إمكانيات صوتية لا تقارن بأى صوت آخر، بينما لو أنك تابعت إنجازهما الرقمى لن تجد مردودا يوازى هذه القيمة.

وميض النجومية لا تحيله فقط لأسباب موضوعية، إنها اللمسة الخاصة جدا التى تجدها لدى عدد محدود ممن منحهم الله تلك الومضة، من عم مليم، بائع الفول والطعمية، إلى عم أحمد فؤاد نجم، قناص أحلى الكلمات!!.
المصري اليوم

التعليقات