عمل الصح
المشاركة فى الاستحقاقات الانتخابية والاستفتائية واجب لا جدال فيه. وتحفيز المشاركة وتشجيعها أمر طيب محمود. والتعريف ببرنامج مرشح هنا وآخر هناك واجب لا ريب فيه. وشرح هدف «نعم» وغرض «لا» ومعنى المقاطعة ومغبة اللامبالاة جميعها مطلوب ومنصوص عليه فى المجتمعات التى سبقتنا فى مسار الديمقراطية ومآل المشاركة الشعبية. لكن تشويه الشوارع، وتقبيح الميادين، وترك أمر تعليق اللافتات وتثبيت الأكشاك وتوصيل الكهرباء لكل من هب ودب دون ضابط أو رابط، أو رقيب أو حسيب، فهذا يضر بمستقبل الوطن كثيراً.
الأعمدة الخشبية التى عادة ما تنهار على رؤوس المارة، واللافتات الورقية التى عادة ما تتقاذفها الرياح وتسقط على سيارات العباد، وأكشاك التعريف بالواجب الانتخابى عبر مكبرات صوت كبيرة وشاشات عملاقة تضر أكثر ما تنفع، وترسل رسائل خطيرة مفادها أن الفوضى غايتنا والعشوائية منهجنا.
منهج التثقيف الانتخابى والتعريف السياسى بواجبات المواطن الإيجابى منهج مطلوب فى مصر، لا سيما فى ظل تواتر التغيرات وتوالى الاستحقاقات. لكن على القدر نفسه من الأهمية تقف الرسائل غير المباشرة التى نرسلها للمواطن. توجه المواطن للجنته الانتخابية مهم، لكن من المهم أيضًا التأكيد له على أن القانون هو سيد الموقف، وأن النظام هو سمة تحضر الأمم والعكس صحيح، واحترام حرم الطريق لا جدال فيه، وتعليق اللافتات يخضع لمعايير ومقاييس، وتوصيل الرسائل السياسية تحكمه قواعد وقيم موضوعية، وهلم جرا.
وقد جرى العرف ألا يتوقف عمل الصح عند خطوة بعينها أو إجراء دون غيره. عمل الصح هو عمل متكامل من ألفه إلى يائه. وليس من المنطق أن نطالب تلميذ المدرسة بتقويم سلوكه وخفض صوته أثناء الكلام، ثم يجد مكبرات صوت مهولة تبث أغانى وطنية أو تحفيزات سياسية تصم الآذان فى طريقه إلى البيت. وليس من المنطق أن ننتقد صاحب المقهى أو السوبر ماركت الذى يعتدى على حرم الرصيف بمقاعد وبضائع، ثم يفاجأ بحزب ما أو جهة فلانية تحتل الرصيف نفسه بأعمدة خشبية لأغراض سياسية. وليس من المنطق أن نشكو ليلاً ونهارًا من انعدام الذوق العام وتدهور مفهوم الجمال فى التخطيط والبناء، ثم نجد بناءات عشوائية وكيانات فوضوية تدعى أنها وطنية وجاءت من أجل الديمقراطية، تشوّه الشوارع المشوّهة أصلاً، وتقبّح الميادين التى ترزح تحت تلال العشوائية.
عشوائية المواطن قابلة للتصحيح وخاضعة للتصويب عبر القانون والتوعية والتعليم. لكن ماذا لو أغمض القانون عينه، أو تغاضت التوعية عنه، أو تجاهل التعليم هذا الفصام الواضح بين محتوى المناهج وواقع الشوارع؟!
مستقبل الوطن فى حاجة منا إلى نظرة أعمق وفكرة أوضح ومكاشفة أكبر. هل نريد وطنًا وخلاص، أم نريد وطنًا يتبع أبناؤه القانون، ويطبق عليهم سواسية، ويعى قيمة الجمال، ويفكر بعقل دون رياء، ويشعر بقلب منزه عن الهوى والميل؟!.. المستقبل ملكنا والوطن يخصنا، والاختيار لنا. فإما أن نعمل الصح أو لا نعمله.