ذكريات من عُمر فات
فجأة فى الساعات الأخيرة انتشر على (النت) تسجيل فيديو نادر كانت قد التقطته عين المخرج الكبير جميل المغازى (الأب)، ابنه مخرج أغنيات الفيديو كليب الشهير يحمل نفس الاسم. نشاهد عادل إمام عام 1985 فى أسوان يعلق على مباراة لكرة القدم بين فريقين من الممثلين والمخرجين والكتاب والمذيعين، بينهم حسين فهمى ويسرا وليلى علوى ولبلبة والمذيعان أحمد سمير وإمام عمر، والمخرجون مدحت السباعى وهانى لاشين وعمر عبدالعزيز ومحمد عبدالعزيز ومدير التصوير سعيد شيمى وكاتب السيناريو أحمد عبدالوهاب وغيرهم، وكان من بين حضور تلك المباراة، المخرجان، السورى مصطفى العقاد والمصرى عاطف الطيب والرائعة نادية لطفى، وأثناء تجوال الكاميرا وقبل النهاية لمحت صورتى، فلقد كان المهرجان يقيمه معهد السينما، وكنت أنا آخر دفعة تخرجت وقتها ولهذا وجهت لى الدعوة للحضور.
من الواضح أنها لم تكن أول فعالية فى المهرجان (لأنهم أطلقوا عليه الأسبوع السينمائى الثالث).
المباراة أقيمت فى صباح اليوم التالى بعد الافتتاح، لأن الحفل شهد توترا ومشاحنات حادة فأرادوا توجيه مشاعر ضيوف المهرجان إلى مباراة ترفيهية.
الشريط الذى صوره المغازى (الأب) بالمناسبة يحمل عنوان (ذكريات من عُمر فات).
هل حقا فات؟ تلك الكلمات تثير أشجانى وعلى الفور أستدعى أغنية عبدالمطلب (ودع هواك وانساه وانسانى/ عمر اللى فات ما ح يرجع تانى).
الأحداث والأشخاص الرائعون لا يعودون مجددا، ولكن تبقى أشياء ثابتة لا تتغير، أغلبها كنا نتمنى تغييره، ولكن (أقوى من الزمن).
أعود إليكم مع ليلة الافتتاح التى سبقت تلك المباراة. عُرض فيلم تسجيلى طويل اسمه (إنقاذ) لمخرج لا أتذكر سوى اسمه الأول مختار، ولا أدرى ما هو مصيره ولماذا لم يُكمل المشوار؟ الفيلم تناول البيوت العشوائية وطالب الدولة بسرعة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
أثناء عرض الفيلم استمعنا إلى صراخ عالٍ يطالب بإيقاف الشريط لأنه يسىء لسمعة مصر، ويعرض غسيلنا القذر أمام ضيوف المهرجان، علمنا بعدها أن وزير الثقافة الأسبق عبدالحميد رضوان كان غاضبا مما دفع أحد المقربين من موظفيه للصراخ فى الصالة.
كان هذا هو الفصل الأول، لأننا لم نوقف العرض، وفى مساء تلك الليلة عُقد اجتماع مع الوزير فى صالون الفندق، اكتشفت أن عددا من الفنانين يؤيدون الوزير تماما فى ضرورة المصادرة ومحاكمة من سمح بالعرض، وكان على رأس الغاضبين المخرج الكبير كمال الشيخ ورئيس غرفة صناعة السينما منيب شافعى، بينما دافع عن الفيلم نادية لطفى ونجلاء فتحى وسعد الدين وهبة وحسين فهمى، والتزم أغلب المشاركين الصمت تحسبا لغضب الوزير، الذى سبق له بعد تصريح الرقابة بالموافقة أن صادر أفلاما مثل (درب الهوى) و(خمسة باب) بنفس الحجة الإساءة لسُمعة مصر. هل فيلم (إنقاذ) لا يزال فى أرشيف المركز القومى للسينما أم تم حرقه لست واثقا من الإجابة؟، ولكن ما أنا واثق منه أن العمر فات، إلا أننا لا نزال نعيش نفس المأزق ونردد نفس الحكاية ونلقى بنفس السلاح فى وجه من يُقدم سلبيات المجتمع فى أى عمل فنى.
34 عاما تغيرت وجوه وغابت أسماء وتوهجت أسماء وانطفأت أسماء وظل الخوف على سمعة مصر (حيا يرزق) يتوعد بمصادرة كل من يحاول أن يقفز بعيدا عن السور!!.