هكذا يكون حظر الفكر المتطرف.. أو لا يكون!
جلسة الاستماع التي عقدها مجلس الشيوخ الأمريكي، الجمعة الماضي ٢١ يونيو، للنظر في إعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية- ليست الأولى من نوعها حول الموضوع نفسه، ولن تكون الأخيرة في الغالب؛ فلقد قرأنا عن جلسات مماثلة انعقدت للغرض نفسه من قبل، ثم لم يحدث أن أدت إلى نتيجة على الأرض. والظاهر أننا سوف نتابع جلسات من النوع نفسه في المستقبل!
وكأن الهدف هو مجرد دغدغة مشاعرنا نحن هنا في هذه المنطقة العربية، التي دفعت ثمن إصرار الجماعة على الوصول للحكم، ثم على ممارسة السياسة وفق منهجها وحده، الذي ينفي الآخر غير الإخواني، ولا يعترف بحقه في اعتناق رأي مخالف لرأي الجماعة أو وجهة نظرها في الحياة!
ومما قيل عما دار في أثناء الجلسة أن تيد كروز، المرشح الرئاسي السابق، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية تكساس، قد توجه بالحديث عبر الفيديو إلى المجتمعين، وطالبهم بالسعي وراء هدف إعلان الإخوان جماعة إرهابية حتى تحقيقه، وبأن على الإدارة الحاكمة في البيت الأبيض، مراعاة الحقائق على الأرض في هذه القضية، قبل مراعاة المعايير السياسية!
وهو- بالطبع- يعرف أن إدارات بلاده المتعاقبة في البيت الأبيض- بما فيها الإدارة الحالية للرئيس دونالد ترامب- كانت دائماً تراعي المعايير السياسية عند النظر في أمر الجماعة الإخوانية، ولم تكن تراعي الحقائق على الأرض إلا قليلاً!
وقد أضاف كروز، في كلمته الموجهة إلى الحاضرين في جلسة الشيوخ، أن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما أتلفت ٨٠٠ وثيقة من وثائقها، بهدف التخلص من كل ورقة تشير إلى الجهاد أو إلى تيار الإسلام السياسي. لماذا؟!
لأنها كانت تساند وصول هذا التيار إلى الحكم في المنطقة العربية، وكانت تسانده، ولم تكن تخفي تعاطفها معه في كل مناسبة!
ورغم أن كروز لا يحدد مصدر هذه المعلومة عن الوثائق التي جرى إتلافها، ورغم أنه يكتفي بالقول بأنها مسربة عن طريق أحد موظفي وزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة، فإنها معلومة تظل واردة، من حيث المنطق، وتبقى جائزة من حيث العقل. فلا توجد إدارة أمريكية حاكمة وقفت إلى جوار تيار الإسلام السياسي على حساب أمن منطقتنا، وعلى حساب استقرارها، وعلى حساب مستقبلها، كما فعلت إدارة أوباما، وتحديدا هيلاري كلينتون التي كانت على رأس وزارة الخارجية وقتها!
وقد حاولت كلينتون غسل يديها من المسألة في كتاب مذكراتها، الذي صدر بعنوان "أوقات صعبة" ثم في أحاديث إعلامية متناثرة، لكن علاقتها القوية بتمكين هذا التيار تحديدا في المنطقة كانت أقوى من كل محاولات غسل اليدين!
والغريب أن كروز- وهو اسم سياسي مهم في بلده- يقول إن مصر أدركت خطر الجماعة وحظرتها، وأن على إدارة ترامب أن تسعى في ذات الطريق، وأن تحظر الجماعة أيضا!
وكأن أمريكا سوف تحظر الإخوان، وسوف تعلنهم جماعة ارهابية لمجرد أن القاهرة فعلت ذلك أو كأن الولايات المتحدة تتطلع إلى الجماعة من الزاوية ذاتها التي تتطلع منها القاهرة إلى جماعة الإخوان! إن هذا كلام فيه تبسيط للقصة بأكثر من اللازم !
ولعل المتابع لحقيقة العلاقة بين الإدارات الأمريكية المتتالية، وجماعة حسن البنا يعرف أنها معقدة، وأن فيها حسابات كثيرة، وأنها لو كانت سهلة لكان ترامب قد تعامل معها بالسهولة نفسها التي قرر بها نقل سفارة بلاده في إسرائيل، من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بها عاصمةً لإسرائيل، بل الاعتراف بهضبة الجولان السورية أرضا إسرائيلية!
إن معايير نظر أي إدارة أمريكية إلى ملف الإخوان هي معايير عملية بالدرجة الأولى، وقد كانت هذه النوعية من المعايير هي التي تعاملت بها إدارة بوش الابن مع الملف، ومن بعده إدارة أوباما. وفي كل الحالات فإن المعيار يدور حول مدى قدرة الجماعة على خدمة المصلحة الأمريكية في المنطقة وضمان عدم الإضرار بها. ولا معيار آخر يمكن أن يجري اعتماده في هذا الاتجاه!
والحقيقة أن أفضل طريقة تستطيع بها الولايات المتحدة حظر الإخوان هي دعم عملية إصلاح التعليم في بلدنا، بما يجعل الفكر المتطرف غير قادر على التواجد، ولا على الانتشار.
هذه هي الطريقة الأفضل والأنجح والأقدر على تحقيق الهدف!
إن حظر الجماعة في مجلس الشيوخ أو في غير مجلس الشيوخ هو حظر من عند المصب، ولكن نشر التعليم الجيد هو حظر للفكر المتطرف من عند المنبع.